وصل فتفاءلنا

TT

قلما يحدث أو يبدر أو يبدو أو يتراءى في لبنان ما يدعو إلى التفاؤل. لكنني تفاءلت. وكيف ومتى يمكن لإنسان أن يتفاءل والطرقات مقطوعة بالتراب، واللغة لغة قتل، والمطار الدولي مغلق، والموانئ ممنوعة؟ وكيف نتفاءل والبعض يعدنا بالعرقنة والبعض الآخر بالبلقنة والثالث بالعودة إلى اللبننة؟ من أي كوة سوف يدخل التفاؤل وباب الحوار موصد ورصاص الابتهاج بالانتصار على الحكومة البتراء غير الشرعية يتعدّى الرشاشات اللطيفة النغمية الإيقاع إلى المدافع؟ ومن يحق له التفاؤل وقد أخفقت جميع المحاولات الدولية وقرارات مجلس الأمن واجتماعات الجامعة العربية وكل الوساطات والنداءات وتوسلات الأمهات والأرامل والأيتام؟

لكنني تفاءلت. أنا اعرف هذا البلد جيداً وماذا ومن كان ينتظر. لقد جاءنا العام الماضي وزير خارجية السودان السابق ومستشار المشير البشير أكثر من مرة. وأخفق. لكننا أسررنا في أذنه سر الحل ولم يقنع. وجاءنا وزير خارجية فرنسا وحضر عرساً في المدينة ورقص الدبكة للمصورين وأعضاء مجلس الأمن. وأخفق. لكننا همسنا في أذنه اسم الوسيط المرجو، وتظاهر بأنه لم يسمع. وجاء وذهب وذهب وجاء وغاب وآب الأمين العام للجامعة العربية. وأخفق. وحاولنا أن نفهمه من هو الوسيط المطلوب ولم يصدق.

تفاءلت عندما أطل، ولو من خلال اللجنة التسعية الموقّرة. أقصد وزير خارجية جيبوتي. لماذا؟ لأن هذه الدولة العزيزة هي الوحيدة التي لم تتدخل بعد. قلنا ذلك للموفد السوداني بصفته، الأفريقية والعربية. وقلنا ذلك للوزير الفرنسي الشديد الوقار. وقلنا ذلك كذلك للأمين العام للجامعة بسبب عضوية جيبوتي في هذه المؤسسة العربية المتضامنة المتكافلة. ولم يصغ منهم أحد.

فلما بدا أخيراً أن الجميع قد اقتنع بنظريتنا، ورأينا جيبوتي تشارك في محاولة حل النزاع الأخوي بين الأشقاء اللبنانيين الأعزاء الأحباء الصفاة الثقاة، لم نتمالك أنفسنا من الغرق في التفاؤل العميم. قد يخيّل إلى البعض أنني أهذر. وهؤلاء لا يعرفون لبنان ولا اللبنانيين، من أبطال أو خونة أو إف. بي. آي. أنا أعرف جيداً هذا البلد. وقد كنت انتظر وسيطا من جيبوتي. فوصل. فتفاءلت.