ابتزاز المعتدلين في الشرق الأوسط

TT

أثناء مشاهدة الأخبار القادمة من لبنان، تشعر بالإثارة وأنت تقرأ عنوان مذكرات جديدة كتبها وزير الخارجية الأردني السابق مروان المعشر. يقول العنوان: «الوسط العربي: وعد الاعتدال». وتخبرنا العناوين اليومية بأن العرب الوسطيين أمثال المعشر قد باتوا يواجهون خطر الانقراض.

فالوسط يعيش تحت الحصار في لبنان وفي الشرق الأوسط، وأصبحت المنطقة تمثل نوعا من الاستقطاب بين متطرفين تدعمهم إيران وقوات تدعمها الولايات المتحدة. وينظم وكلاء إيران الإضرابات كيفما شاءوا: يسيطرون على المناطق المجاورة من بيروت في تحد سافر ويقذفون الصواريخ داخل إسرائيل من غزة لتعطيل مباحثات السلام ويتسببون في دمار في جنوب العراق وفي بغداد. وبعد هذا، بنفس المكر الذي جعل من إيران عدوا صعبا، يتراجع أصدقاء طهران ويقومون بعقد الصفقات تميل في كل مرة بصورة أكبر قليلا لصالح الراديكاليين. إنه أسلوب مألوف: تجرد إيران السيف من غمده لتدمي المعتدلين لإظهار قوتها وبعد هذا تعيد السيف لغمده مرة أخرى. كنت أتمنى أن تتحلى أميركا بالمهارة اللازمة كي تستطيع مساعدة أصدقائها. يثير كتاب المعشر ما قد يكون أشد نقدا وجِّه لسياسات إدارة الرئيس بوش في الشرق الأوسط، حيث قوضت من دون قصد من تريد الولايات المتحدة مساعدتهم. ففي العراق وإيران ولبنان وسوريا وفلسطين وحتى في الأردن، أصبحت الأصوات المعتدلة في الوسط أضعف مما كانت عندما تولى بوش الرئاسة عام 2001. فقد عرضت الولايات المتحدة حلفاءها للخطر ولم تكن لديها المهارة الدبلوماسية لخلق نظام جديد مستقر.

ويتساءل المعشر: بعد أعوام من الوقت الحالي، عندما تتم كتابة تاريخ الشرق الأوسط، أي عنوان سيوضع؟ «الوسط لا يستطيع البقاء؟» أم «بداية جديدة». ومازال هذا السؤال على المحك، ولكن الأدلة الحالية لا تشجع. وتضع وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس تفسيرا مفعما بالآمال عن المواجهات، فهي تراها وسيلة لتصحيح الأوضاع في الشرق الأوسط وأن هناك اختيارين: الراديكاليين والمعتدلين. وبالتأكيد يفهم السعوديون والمصريون والأردنيون، بصورة أفضل من أي وقت مضى، التهديد الذي تمثله إيران ووكلاؤها. فهم يحاولون اختبار القوة الإيرانية عن طريق مجموعات إقليمية لدعم لبنان والعراق.

ولكن، هل هذا الاستقطاب المتنامي قد أدى إلى تغيرات إيجابية في المنطقة؟ هل تمكن من احتواء التأثير الإيراني أو اختبر التطفل الإيراني؟ تدل الفوضى التي حدثت في لبنان على أن الإجابة بالنفي. وعلى الرغم من أنه قد يبدو هذا غريبا، فإن إدارة الرئيس بوش تقوم بنفس الأخطاء التي ارتكبها المتشددون في المنطقة. فهي لا تعرف متى تساوم. وهي تحصد الكثير من البطاقات عن طريق قوتها العسكرية ولكنها لا تستخدمها على طاولة المفاوضات. كان يمكن لبوش أن تكون له نقاشات مطولة مع إيران عن الاستقرار في المنطقة عام 2003، ولكن لم تكن الإدارة مستعدة آنذاك. وعاد الخيار الدبلوماسي الأميركي الإيراني يظهر في مارس (آذار) 2006، عندما عرض المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي إرسال مستشاره علي لاريجاني إلى بغداد للحوار حول الاستقرار في العراق، ولكن لم تكن لدى الإدارة الثقة والرغبة. وفي الوقت نفسه، فقد أشارت سورية منذ أكثر من عام إلى أنها تريد مساعدة أميركية في مناقشة اتفاقية سلام مع إسرائيل، ولكن لم تثق الإدارة في سورية.

والآن، لبنان: فعلى مدى أعوام طويلة، كان واضحا أن الأزمة السياسية في بيروت لن يتم التغلب عليها من دون بعض المناورات الأميركية المبتكرة. فلبنان يحتاج إلى دولة قوية يدعمها جيش قوي، ولكن لا تستطيع الإدارة عقد الصفقات ـ كما هو الحال في اختيار رئيس جديد للبنان ـ لخلق هذا الواقع. عودة إلى صديقي المعشر، الدبلوماسي الأردني. فإن أكثر الأجزاء المؤثرة في كتابه هو وصفه لعملية توليه منصب أول سفير أردني إلى إسرائيل بعد معاهدة السلام عام 1994. لم يكن يريد ذلك، فقد كان هذا يعني تخطي «حاجز نفسي» وتعريض نفسه وعائلته للنقد العربي. ولكنه تساءل: «كيف يمكن أن تحيا إذا كنت تخاف من القيام بهذه المهمة؟» ولذا ذهب إلى تل أبيب وتجاوز المحظورات الخاصة بالتعامل مع الآخرين. سيكون أيضا على الأميركيين أن يتعلموا كيف يمكنهم التعامل مع الآخرين، إذا كنا نريد الخروج من الفوضى الموجودة في الشرق الأوسط. ترى إيران أنها محظوظة في الوقت الحالي، ويشعر حلفاء إيران بالثقة لأنه قد بات من الصعب على هذه الإدارة إحراز أي تقدم. كان لديها فرص ولكنها أهدرتها. ولذا سيكون على الإدارة القادمة أن تتعلم اللباقة، وفي بعض الأحيان، الدبلوماسية التي يمكنها إعادة بناء الوسط العربي.

* خدمة «واشنطن بوست»

خاص بـ «الشرق الأوسط»