لبنان والبازار الإيراني

TT

عرفت ايران التجارة والأسواق منذ القدم كغيرها من دول المنطقة والبازار في إيران (السوق) ليس فقط مكاناَ للتعاملات التجارية بل له أنشطة أخرى ثقافية، سياسية، دينية وليس كل من يعمل في السوق من التجار فقط، فهناك من يقوم بدور (الدلالة) نتيجة خبرتهم التجارية والاجتماعية، فيتعرفون على الناس ويعرفونهم على أنواع البضائع التي يحتاجون إليها.

وقد كانت المحافظة على أمن البازار ومراقبته من أولويات من يتحكم في السوق، وكان هناك ما يعرف بالفارسية باسم (سرايدار) أي الشخص الذي يحافظ على محلات المسيطرين على البازار وهو شخصية (عنترية) تمارس عنترياتها ضد التجار الآخرين وفرض الأتاوة عليهم لصالح المتنفذين منهم مقابل حماية السوق والحفاظ على الأمن فيه ولم يكن تحصيل تلك الأتاوات هو الشغل الشاغل لعصابة التجار المسيطرين على البازار فقد كانت الرقابة أيضاَ على ما يدور وما يباع في السوق وجمع المعلومات عن مرتاديه من المهام التي يوليها هؤلاء المسيطرون أهمية كبرى لإحكام سيطرتهم عليه بحيث لا تسمح ببسط نفوذ غيرهم على هذا البازار وقد كان من بين التجار من يُعيّن من قبل الحاكم بترشيح من النافذين في البازار كممثل لهم لرئاسة السوق ويطلق عليه ألقاب مثل ملك التجار، أو أمين التجار ويعتبر أمين التجار هذا هو المنظر والمنفذ لتعليمات أسياد البازار.

إن المتتبع للسياسة الإيرانية في المنطقة وما تدعيه من أن الوحي الإلهي يسدد خطاها لنصرة الإسلام والمستضعفين في فلسطين ولبنان والعراق وغيرها..! يدرك من الوهلة الأولى بأن إيران تتصرف بعقلية عصابة التجار المسيطرين على البازار الذين يبيعون ويشترون البضائع والذمم ويكون هدفهم هو السيطرة على معاملات السوق واحتكاره لتحقيق أكبر قدر ممكن من الربح على حساب التجار الآخرين وللوصول لذلك فهم يقومون بتوزيع الأدوار في السوق فيعطي للدلاّل دورا أوليا للتعرف على الناس وللترويج للبضاعة والتعريف بها بأسلوب معسول يكسب به العقول والقلوب، ويتولى أمين التجار الضغط على التجار الآخرين بإصدار الأنظمة والتعليمات التي تحد من التعامل مع ذلك التاجر أو العميل، وتحديد نوعية البضائع المعروضة في السوق واتخاذ التدابير اللازمة لمحاصرة التجار المتعاونين مع (العدو الخارجي للبازار) والذين يرفضون وصاية عصابة التجار وظلمهم ويطالبون بتحقيق سيادة القانون في السوق، فيتعرضون ومحلاتهم للنهب والتخريب من قبل الشخصية العنترية المعروفة باسم (سرايدر) أو ما يعرف باللهجة اللبنانية بالأزعر.

إن ما حصل في لبنان في الأيام القليلة الماضية من استباحة للعاصمة بيروت من قبل حزب الله يمثل صورة تجسيدية للبازار الإيراني، ممثلا في إيران المسيطرة وسوريا الدلاّل وأمين التجار أمين حزب الله وشخصية سرايدر في أفراد الحزب.

لقد أقدمت إيران على تلك الخطوة كونها شعرت أن أمريكا (الزبون الرئيسي) تريد سحب البساط من تحتها في لبنان وأماكن أخرى من الشرق الأوسط فتحركت بعقلية عصابة تجار البازار المحتكرة وذلك بإعطائها الضوء الأخضر لأمين حزب الله وأفراده لاجتياح العاصمة وخلخلة الوضع الأمني فيها وتفجير الحرب الطائفية وهو ما تراهن عليه إيران ومعها سوريا، الأمر الذي يعني خروج لبنان عن السيطرة الدولية وإيجاد فراغ أمني يضاف إلى الفراغ الدستوري مما يجبر أمريكا والعالم على الاستنجاد بإيران كونها اللاعب المسيطر في البازار اللبناني مما يعزز موقفها التفاوضي مع أمريكا والاتحاد الأوروبي في ملفات عدة أهمها الملف النووي الإيراني.

إلا أن إيران بإطلاقها العنان لحزب الله للعبث واستباحة بيروت بتلك الصورة الهمجية قد أرسلت إشارات قوية للعالم خلاف ما تريده وما خططت له. فدولة تحمل تلك المرجعية الفكرية السياسية المتمثلة في تلك الهمجية لا يمكن بحال من الأحوال أن يسمح لها بامتلاك ولو بندقية تحمل سلاحا نوويا، فما بالك بسلاح نووي يؤهلها للسيطرة على منطقة ذات أهمية بالغة للاقتصاد العالمي، وذات جذور عرقية وطائفية متجذرة.

إن امتلاك إيران لهذا السلاح يعد مجازفة تاريخية وضربا من الجنون في حق البشرية، مما يستوجب على المجتمع الدولي الوقوف في وجهه بقوة مهما كانت التكاليف، فما سوف يتحقق من ضرر الآن لا يقارن بما سوف يحدث في المستقبل من جراء امتلاك تلك العقليات للسلاح النووي، وأن لا يقف المجتمع الدولي مكتوف الأيدي أمام الحالة اللبنانية تلك بأن يسمح للبنان بأن يكون جزءاً من لعبة البازار الإيراني، وكما قال لي صديقي اللبناني نضال (وهو تاجر يقيم في الضاحية) عندما اتصلت به ليلة البارحة لأطمئن عليه وعلى أسرته، قال «بدنا نعيش»وأنّ اللبنانيين بكافة طوائفهم يدركون الآن أن الوصاية الدولية، في ظل عجز مخيب للآمال للجامعة العربية، هي صمام الأمان لهم جميعاً، إذن الوصاية الدولية في رأي اللبنانيين وفي رأي غيرهم هي مطلب شرعي ووطني وقومي لدولتهم في مواجهة وصاية ولاية الفقيه. فالوصاية الدولية هي لكل اللبنانيين، أما وصاية ولاية الفقيه فهي للدلاّل، وأمين التجار، وسرايدر، كما هي في البازار الإيراني.

[email protected]