عيد ميلاد غير سعيد

TT

ستون عاما تمر على ولادة إسرائيل وإعلانها كدولة. إسرائيل دولة بلا حدود مرسومة حتى اليوم ودولة يحق لها ما لا يحق لغيرها، فهي المخالفة لقرارات الأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان، واتفاقيات جنيف والصليب الأحمر وحماية اللاجئين، والاتفاقيات النووية، وهي الرافضة لتنفيذ سلسلة لا تنتهي من جولات واتفاقيات ومبادرات السلام، ويحق لها أن تمارس التطهير العرقي وتدمير المنازل وقتل الأبرياء وسجن الأسرى بلا محاكمة. دولة مارقة بامتياز، ترأس وزراءها أشخاص مطلوبون للعدالة بصورة رسمية ومعلنة لجرائم قتل قاموا بعملها، لعل أشهرهم مناحيم بيغن وإسحاق شامير. ترفض التفرقة العنصرية في أساس دستورها، وتعتبر نفسها دولة لليهود، مؤكدة بذلك أن العرب والدروز والمسلمين والمسيحيين الموجودين كمواطنين إسرائيليين هم رسميا مواطنون من الدرجة الثانية، ولكنها هي ذاتها التي تحقق وتحاكم رؤساء وزرائها السابقين بتهم الفساد، وهي نفسها الدولة التي بالرغم من وجود اقتصادها في حالة حرب تستمر نسب النمو بشكل مطرد وفي قطاعات عالية التقنية، وهي بالرغم من ندرة المياه وشحها نجحت في سياسة زراعية فعالة وقوية، لديها حرية صحافة لافتة وجريئة قادرة على طرح معظم المواضيع الحساسة (أغلبها على أية حال؛ فهي لا تجرؤ من الاقتراب من الملف النووي الإسرائيلي مثلا). مهما كانت عناصر الإبهار والأمثلة الناجحة التي تروج عن إسرائيل تظل الحقيقة الأهم، هي أن إسرائيل قامت على باطل واستمر بناؤها على باطل وأن حلم وسفر الخروج الإسرائيلي من جحيم النازية في أوروبا لمستقر النعيم على «أرض الأجداد» في فلسطين يفتقر إلى مصداقية مهمة وهي أن الشعب والأرض الفلسطينية كانا موجودين (وما زالا) وبالتالي أن تأنيب الضمير الغربي كان مخدرا ومتناسيا الفلسطينيين، وبالتالي عالج المشكلة بكارثة ولدت مصائب توابعها مستمرة لليوم. اليهود برعوا في مجالات كبيرة ومهمة عبر الأزمنة المختلفة، فتألقوا في الآداب والعلوم والأعمال وكانوا فاعلين في مجالات حقوقية كبيرة بجدارة واقتدار، إلا أن مشروع إسرائيل فشل في أن يكون مقنعا للجيران وللعالم بأنه مشروع عادل ومشروع جدير، ولذلك لم يستطع عبر 60 عاما من الترويج «بالقوة» له عبر أقطاب العالم الأول أن يكتب له الشرعية. شرعية إسرائيل تستمد من جيرانها وبعلاقة سوية معهم، واستثناؤها عن القانون سيكون أشبه بحمل خارج الرحم سرعان ما يفقد وسيلة التغذية والقدرة على النمو وبالتالي الموت والنهاية. ستون عاما على مولود غريب بظروف غريبة وشروط أغرب لا يمكن أن تكتب لها الاستمرارية من دون تعديل في الأوضاع بصورة جذرية.

[email protected]