الدور القطري اللبناني

TT

كل من يريد التصدي للمشكلة اللبنانية يستحق الشكر، لأنها قضية أكثر من محلية، مرتبطة بقضايا خارجية ولهبها قادرعلى إشعال المنطقة أكثر مما يمكن أن تفعله الأزمة العراقية أو الفلسطينية. ولأن لبنان معروف سياسيا منذ زمن بأنه الأرض الرخوة، فإن كثيرين يلعبون في وحوله، وها نحن أمام الوحل القديم إياه، الميلشيات والصلاحيات والتدخلات الخارجية والأنانية الشخصية عند الزعامات.

وطالما أن الدوحة متحمسة جداً جدا لحل الأزمة اللبنانية، يبقى علينا أن ندعو لهم أن يفعلوها سريعا، لأن الخلافات اللبنانية تنمو في مناخ المساومات أكثر مما تنكمش، كما يظن البعض. وطالما أنهم متحمسون نقول، أعان الله القطريين لأن الفرقاء المختلفين لا يستطيع إشباعهم حتى البنك المركزي الألماني.

نحن الآن أمام ثلاث مراحل، كما أورد البيان الوزاري العربي، الأولى إسعافية وقد انتهت بإعادة الوضع الى ما قبل انقلاب حزب الله، حيث غادر معظم المسلحين، وفتح المطار. والمرحلة الثانية علاجية بدأت أمس بالتفاوض في الدوحة بين الفرقاء من أجل انتخاب رئيس الجمهورية وربما الاتفاق على الحكومة. أما الثالثة فهي عملية جراحية رئيسية، قد تأخذ شهرا أو أكثر. وتعنى بالاصلاحات السياسية، التي ربما تحتاج الى زراعة قلب أو دماغ.

وفكرة إصلاح النظام السياسي عظيمة إذا كانت ممكنة، لكنها في الوقت الحاضر ستصمم بحيث تخدم قوى خارجية مثل سورية وإيران، وهو أمر سيكون مرفوضا لبنانيا وإقليميا ودوليا. الإصلاح يعني تمزيق اتفاق الطائف. إعادة كتابة الدستور لن تكون عملا سهلا لأنها تضرب في العصب اللبناني والإقليمي وقد تفتح الباب لحرب أهلية مهما اتفق المتفاوضون على المرحلتين.

جذر المشكلة اللبنانية انه يقوم على صياغة طائفية وفئوية صريحة بخلاف الأنظمة السياسية الأخرى في العالم، ومن المحتم أن تهتز المعادلة في كل مرة يرغب فريق في تحديها كما فعل حزب الله. وصحيح أن الحزب اخترع فكرة أنه صاحب مشروع واحد هو مواجهة العدو الإسرائيلي، لكن الجميع يدرك أن حزب الله فريق طائفة واحدة، وله صلات خارجية تقوم بتمويله، ويريد تغيير الوضع السياسي القائم ضد بقية الطوائف. ولكن لا بد أن نعترف بأنه حتى لو لم يتحد حزب الله الوضع القائم بقوة السلاح لربما قام بالمهمة فريق آخر. فالمشكلة في النظام الهش وليس في حزب الله. فنظام لبنان قبلي أكثر من كونه ديموقراطيا، فرغم التصويت الحر توزع مئات الوظائف المهمة في الدولة وفق محاصصة طائفية صريحة.

ولو نجح اجتماع الدوحة، وهو المأمول رغم الصعاب الواضحة، فإن أزمة الحكم ستستمر في لبنان، إلا إذا كان ارتضى الجميع تصنيع نظام ديموقراطي حقيقي يجنب البلاد الأزمات المقبلة. هذه المهمة شبه مستحيلة إلا بجملة خطوات، أهمها إضعاف دور مؤسسات الدولة في المجتمع من خلال تخفيف مسؤولياتها. فالنظام اللبناني أقرب الى الاشتراكي، الذي يجعل الحكومة تهيمن على معظم مرافق الحياة في وقت العالم انتقل إلى منح معظم النشاطات الخدمية الى القطاع الخاص، من المطارات إلى السجون. بهذا تصبح الحكومة أقل إغراء وأقل مالا وأقل فسادا وأقل تنازعا. هناك الكثير الذي ينبغي فعله قبل التفاوض على صيغة حكم سياسي، الذي يعني عمليا ضرب الصيغة القائمة التي رغم هشاشتها تظل أفضل من الحرب الأهلية.

[email protected]