النكتة العسكرية

TT

استجاب الظرفاء المصريون لنداء عبد الناصر بالحذر من النكات والقفشات التي تنخر في معنويات الشعب وتشكك في قيادته وتجرح كرامة القوات المسلحة. وشاع بين الناس أن إسرائيل بدأت تضخ هذه النكات والحدوتات. وهكذا توقف الشيخ إمام عن غناء «الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا.. يا ما أحلى رجعة ضباطنا من خط النار..»، واختفت النكات الناصرية بعد أن هز الرئيس الراحل ضمير الأمة العربية من المحيط إلى الخليج باستقالته ولم تهدأ عواطفهم حتى فرضوا عليه سحبها، وفرضوا بعين الوقت القناع والسكوت على ظرفاء مصر.. وبها اختفت النكتة الناصرية.

ولكن الجمهور راح يتساءل: «إذن من المسؤول؟». توجهت الأنظار إلى المشير عبد الحكيم عامر. راحوا يتندرون عليه. قالوا إنه ذكر لشمس بدران أنه مبتلى بسكرتير غبي. وليثبت ذلك لزميله نادى عليه وقال له: «روح لبيتي وشوفني موجود هناك أم لا». خرج السكرتير، وبعد فترة رجع وقال للمشير: «آسف يا افندم. حضرتك مش موجود في البيت».

فالتفت عبد الحكيم عامر لشمس بدران وقال: « شايف؟ الراجل ده غبي. كان ممكن يوفر المشوار. يفتح تلفون عالبيت ويسأل مراتي عني».

لكن روح النكتة لا يمكن قمعها بأمر إداري أو خطبة رئاسية، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بالمصريين. لقد تحمل القوم عبء العساكر وسيطرتهم على كل شيء واستحواذهم بكل المناصب والامتيازات. تحملوا كل ذلك منهم احتراما لمهمتهم ورسالتهم في الدفاع عن الوطن وإنجاز الأماني القومية. ولكن الهزيمة النكراء هدمت هذا الصرح وعرت ضعفهم. فانطلقت الألسن. بعد أيام قليلة من وقف القتال، راح أحد الضباط يجري وراء الأوتوبيس في القاهرة ليلحق به. تمكن من ذلك بالكاد ولكنه سقط في حضن امرأة جالسة في أحد المقاعد. التقفته ومسكت به من رأسه وقالت: «يا ابني لسه بعدك تجري؟».

زهق الجمهور بصورة خاصة من سيطرتهم على كل شيء. حدث أن وقف رجل في الأتوبيس ودعس برجله على قدم أحد الواقفين جنبه. تحمل الراكب ذلك بصبر وسكت. ولكنه لم يطق أن يحتمل ذلك أكثر مما احتمل وقد بدأت قدمه توجعه. التفت إلى الرجل وقال: «يا افندم، انت حضرتك ضابط بالجيش؟»، أجابه قائلا: «لا. أبدا». عاد فسأله: «انت حضرتك يعني متجوز واحدة بنت ضابط في الجيش؟». أجابه بالنفي: كلا. عاد فسأله: «انت عندك واد ضابط بالجيش؟»، كلا، ليس لديه أي ولد. «يعني ما فيش في أسرة حضرتك أي ضابط في الجيش؟»، فأجابه: هو كذلك. ليس لديهم أي قريب يعمل في القوات المسلحة.

وعندئذ سدد الراكب المدعوس لكمة قوية في وجه الرجل وصاح به مغتاظا: «أمال انت واقف على رجلي الوقت ده كله ليه؟».