على قارب قبرصي إلى طرابلس

TT

معظم الذين رافقوا الرئيس الراحل ياسر عرفات تعرضت علاقاتهم به للمدّ والجزر. كانت شخصيته طاغية وعنفوانه شديدا، ولم يكن يقبل النقد ولا المشورة مع أنه كان يدعي أنه يطلبها من الجميع. وأكثر الخلافات شهرة بين الرفاق وأبو عمار، كان خلاف شفيق الحوت.

في كتابه «بين الوطن والمنفى» (1) يروي شفيق الحوت حكاية الشقاء الطويل في البحث عن الوطن، الذي فقده يافعاً عندما حمله قارب صغير من يافا إلى بيروت.

توقفت طويلا عند لوحة من اللوحات التي يرسمها لأبو عمار بعد خروجه من بيروت العام 1982 على رأس فيالق المقاتلين الفلسطينيين. وكان شفيق في تلك المرحلة سفير منظمة التحرير في لبنان. وقد ذهب إلى تونس للقاء الفلسطيني الأول والبحث معه في خطوات المرحلة التالية. ومن أجل إخراجه من عزلته في «فندق سلوى»، اقترح عليه السفر إلى الأمم المتحدة لحضور دورتها وإلقاء كلمة في الجمعية العمومية.

بعد ثلاثة أيام ذهب إلى «فندق سلوى» لتهنئته بعيد الأضحى. وفوجئ عندما أبلغ أنه غادر تونس. إلى أين؟ قيل إلى الجزائر وقيل إلى السعودية وقيل إلى اليمن، لكن ما من أحد كان يعرف الحقيقة على وجه الضبط. وبعد يومين عرف الجميع أن أبو عمار ظهر في طرابلس.

«أما كيف سافر أبو عمار من تونس وكيف وصل إلى طرابلس فلم تسنح لي الفرصة لأساله عنها أو أعرف تفصيلاتها. كل ما عرفته أنه بدأ عملية التخفي قبل مغادرته العاصمة التونسية. وكانت محطته الأولى في مطار لارنكا في قبرص، ومن هناك ركب قارباً تجارياً متوسط.

دمر أبو عمار، بحسب شفيق، فرصة الظهور أمام الأمم المتحدة وسط الهالة التي رافقته أثناء الخروج من بيروت، ضحية وبطلا معا. وعاد يحمل رفاقه في الحركة الوطنية اللبنانية ما لا يقوون على تحمله بعد الحصار الذي أدى إلى دمار بيروت. وهذا مشهد من مشاهد كثيرة يستعيدها المؤلف في الرفقة الطويلة إلى جانب أبو عمار

(1) دار رياض الريس للكتب والنشر