كيف نقدر على التفاهم؟!

TT

وصف الروائي الإنجليزي روديارد كيبلينج إحدى الشخصيات في رواية له فقال: «لا أظن أن هذا الرجل من الأفغان لأن الناس هناك يبكون بالصوت: «ai ai»، كذلك لا أظن أنه هندستاني لأنهم يبكون بالصوت: «oh oh»، إن الرجل يبكي كما يبكي الرجل الأوروبي فيقول: «ow ow». ويستنتج الدكتور إبراهيم أنيس من ذلك أن لكل شعب صوت خاص عند البكاء أو الأنين أو الدهشة أو الازدراء.. وكما تختلف المجتمعات في قاموس مفرداتها فإنها تختلف أيضا في لغة إشاراتها الوصفية، وتتباين معاني الإشارات بين الثقافات، فقد تحمل إشارة ما معنى مقبولا في مجتمع معين، ولكنها ربما تحمل معنى سيئا في مجتمع آخر. ويرجع بعض المحللين كثرة لغة الإشارة في عدد من الثقافات إلى فقر اللغة، فتجد البعض يوشك أن يخرق عينك بأصبعه حينما يتحدث، وإن كانت ثمة فروق فردية في الثقافة الواحدة في مدى استخدام الإشارة، فقد ترجع كثرة الاستخدامات إلى ضيق حصيلة الفرد اللغوية، أو إلى توتراته الداخلية، ومن هذه الخاصية تشدني متابعة البرامج الحوارية التي تقدمها القنوات الفضائية، وأصاب بالدهشة وأنا ألحظ عددا من ضيوف تلك البرامج يتحدثون بأيديهم وأرجلهم ولعابهم وشرايين رقابهم أكثر مما يتحدثون بأصواتهم، وتزداد الدهشة حينما تضم طاولة الحوار شخصيات من ثقافات مختلفة بحيث تتضح الفروق بين الثقافات.

وإذا ما تجاوزنا أصوات البكاء والإشارة إلى اللغة فثمة مشكلات تحملها دلالات الألفاظ في دواخلنا لعدم وجود قاعدة مشتركة أو متطابقة لفهمنا لها بصورة دقيقة، وهذه الفروقات في دلالة الألفاظ بين الأفراد كثيرا ما تؤدي إلى سوء الفهم بين الناس، وقد بلغ إحباط الكاتب والأديب الإيطالي لويجي بيراندللو ـ كما ورد في «كراسات أدبية» ـ حدا كبيرا دفعه إلى الاعتراف بفشل اللغة والعجز عن التفاهم، إذ يقول: «إذا كنت أضع في الكلمات التي أقولها معنى الأشياء وقيمتها كما هي في أعماقي بينما يعطيها الذي يسمعها ويتقبلها المعنى الذي في نفسه للعالم، فكيف نقدر على التفاهم؟!».

فإذا كان كلامنا وبكاؤنا وإشاراتنا ومعاني صمتنا تختلف، فأي غربة يعيشها إنسان هذا العالم؟!

[email protected]