تخصصي جدة

TT

للسعوديين تاريخ طويل من المعاناة مع الخدمات الطبية الدقيقة والمتخصصة، فكانت قوافل المرضى تشد رحالها إلى مؤسسات طبية في الخارج بحثا عن العلاج، وبعض هذه المؤسسات في الدول العربية كمصر ولبنان، وبعضها في أوربا وأمريكا. وكان افتتاح مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث في الرياض حدثا بارزا، ونقطة تحول هامة مكنت السعودية من أن تتبوأ مكانة متقدمة في المنطقة في مجال تقديم الخدمات الطبية الدقيقة والمتخصصة. ومع الازدياد السكاني، وكثرة الطلبات على هذا المستشفى المتميز كان لا بد من وجود مركز آخر له نفس الإمكانات في غرب البلاد لتخفيف الضغط. وفي ظروف خاصة نشأ مستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة عام 2000، لكن هذا المستشفى بدأ يواجه بعد فترة من نشوئه عددا من الحظوظ العواثر المتصلة بقنوات تمويله، ومرجعيته التنظيمية، وغرق في بحر من المشكلات حدت من أدائه لرسالته، وخطفت فرحة الناس به، ولولا الإصرار العجيب من الإدارة الرائعة لهذا المستشفى على تحمل المسؤولية، ومواجهة الدعاوى الحقوقية الصعبة من قبل موردي الأدوية وبعض العاملين التي أقيمت ضد المستشفى لما استطاع البقاء حتى اللحظة.. وتدخلت الدولة في مرحلة لاحقة وتكفلت بتغطية رواتب الأطباء والممرضين والعاملين، واعتمد المستشفى على دخله من القطاع الخاص وشركات التأمين على تسيير أموره الأخرى بالحد الأدنى من الإمكانات.. واستطاعت قيادة المستشفى رغم كل هذه الظروف أن تنهض بمسؤولياتها بأكبر من القدر المتاح لها في مجالات العلاج والتوعية وتوسيع دائرة الثقافة الطبية من خلال الندوات والإصدارات الخاصة.

لذا فإن الأمر الملكي الذي صدر أخيرا بضم مستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة إلى المؤسسة العامة لمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بحيث يصبح فرعا لها، يقيل عثرات هذا المستشفى، ويمثل بداية جديدة له بعد أن عصفت به الظروف طويلا.. آملا أن تكون أبواب هذا المستشفى عقب هذا الأمر أكثر مرونة وأقل تعقيدا في استقبال حالات المواطنين الحرجة التي هي الأساس في تأسيسه ونشوئه وجوهر أهدافه.

وأخيرا: إذا كانت هناك معايير عدة تزعم قياس تقدم الدول، فإن أكثرها مصداقية تتمثل في مدى توفر الرعاية الطبية المتخصصة لكل المحتاجين، فالطب أولا وبعده كل شيء.

[email protected]