ماذا بعد انتصار حزب الله في شوارع بيروت؟

TT

مقاومة، فمغامرة، فمقامرة ـ كما وصفها تركي الحمد ـ الى اين يتجه حزب الله في لبنان؟ بل الى اين يدفع حزب الله لبنان؟

حزب الله ولا نقول كل المعارضين في لبنان، لا يخفي مشاركته في الحلف الايراني ـ السوري المتصدي «للمشروع الاميركي» في الشرق الأوسط. ولا ينفي علاقته البنيوية بايران. ويصر على رفضه لقرارات مجلس الامن والشرعية الدولية. ولكنه يتبرأ من تهمة سعيه الى السيطرة على الحكم في لبنان. انما بعدما حصل في الايام الاخيرة في بيروت، هل بقي في لبنان من يصدق حسن نية حزب الله بالنسبة للبنان وللدولة اللبنانية وللشرعية الميثاقية الديموقراطية اللبنانية؟

لقد ربح الحزب الجولة العسكرية على الارض في بيروت الغربية، ولم يكن هذا «الانتصار» على ابناء بيروت، مفاجأة لأحد لأن القوى الموالية للحكومة وللأكثرية النيابية لا تملك ـ ولا سعت الى امتلاك ـ ميليشيات مسلحة طائفية تقف بوجه الميليشيا التابعة لحزب الله وامل خلافا لما اتهمت به زورا. ولكن سيطرة القوة المسلحة لحزب الله على احياء بيروت السنية، لن تغير وجه لبنان، حتى ولو ألقى بثقله على المعركة السياسية الدائرة منذ اشهر بين المعارضة وقوى 14 آذار. وأيا سيكون المخرج السياسي من المحنة، ـ هذا اذا عثر على مخرج ـ فإن ما وقع في بيروت الغربية وفي مناطق اخرى من لبنان احدث شرخا بين السنة والشيعة في لبنان، وشرخا في الديموقراطية التوافقية ـ الدستورية اللبنانية. وهو شرخ لسوء حظ لبنان مرشح للاتساع لا للتضييق وللالتئام في السنوات القادمة.

ان ما حصل في بيروت يسمى في أي دولة في العالم، محاولة انقلاب بطريقة مبتكرة: اعلان رفض للقرارات الحكومية ثم قطع طرقات ونزول مسلحين الى الشوارع ثم اعلان استمرار العصيان المدني المسلح. واذا كانت الحكومة الشرعية والجيش وقوى الامن لم تحاول منع هذا الانقلاب بالقوة خشية انقسامها على بعضها وتصعيد القتال باتجاه الحرب الاهلية فإن قوى 14 اذار و60 في المائة على الاقل من اللبنانيين الذين يشاركونها تفكيرا وخيارا وطنيا وسياسيا لن يرضخوا ولن يستسلموا ولن يسلموا البلد الى من يبشرهم بحرب دائمة في المنطقة، منطلقها لبنان. لا سيما وان القوى الاقليمية والدولية التي تعارض حكم حزب الله للبنان، ليست أضعف من سوريا وايران وحزب الله.

هل سيتمكن وزراء الخارجية العرب، عبر جامعة الدول العربية وأمينها العام من اجتراح مخرج أو حل للأزمة اللبنانية بعد أن دخلت عنق الزجاجة؟ انه احتمال وارد ولكنه ضعيف جدا. هل ستتدخل الدول الكبرى والمجتمع الدولي، عبر مجلس الأمن؟ ربما. ولكن لماذا يرضخ حزب الله وسوريا وايران، الى قرارات دولية جديدة تضاف الى القرارات السابقة التي لم ترضخ لها؟

تعريب الأزمة؟ أم تدويلها؟ انها احتمالات واردة أيضا. في النتيجة لن تخرج الازمة من عنق الزجاجة الا بتحاور وتوافق اللبنانيين عبر زعمائهم، على الصيغة الجديدة للحكم والميثاق الوطني الجديد.

لقد سبق «اتفاق الطائف» خمس عشرة سنة من القتال والتقاتل. ترى أيستطيع لبنان واللبنانيون أن يتحملوا الأزمة التي تخنقهم، وتدمر وطنهم يوما بعد يوم، عشر أو خمس سنوات أو حتى سنة واحدة؟

ان ارتباط الصراع السياسي المحلي، في لبنان، بالصراع الاقليمي ـ الدولي بين محور ايران ـ سوريا والولايات المتحدة من جهة وبين مشروعين متناقضين لحسم الصراع العربي ـ الاسرائيلي، بات جليا. ولا شيء يدل على أن أحداثا أو تحولات كبرى مرشحة للوقوع في الأشهر الستة التي تفصلنا عن نهاية ولاية الرئيس بوش. وليس هناك أي بارقة أمل في توصل الاسرائيليين والفلسطينيين، خلال الاشهر القادمة الى اتفاق على الحل النهائي. بل كل شيء يدل على ان ستين سنة أخرى سوف تمر على اسرائيل قبل أن «يزيلها» الرئيس أحمدي نجاد من الوجود.

ومن الآن والى ان يتحقق ذلك هل يبقى شيء في لبنان، الذي يريد حزب الله، ومن معه ووراءه، ان يجعلوا منه قاعدة لتحرير فلسطين؟!

رحماك اللهم.