لبنان والحرامي المسلح

TT

يصف العماد ميشال عون المفاوضات مع الأكثرية في الدوحة بأنها مثل «المكاسرة في سوق الخضار». وأعتقد أن هذا الوصف غير دقيق، فما يحدث في لبنان يشبه احتجازا مسلحا لعائلة في منزلها، مع تقاعس الشرطة عن إنقاذها.

مشكلة الأزمة اللبنانية هي عدم وجود أفق سياسي، ولا يمكن تحقق الأفق السياسي مع اختلال موازين القوة على الأرض، حيث طرف يمتلك السلاح ويحظى بدعم أجهزة مخابرات سورية ـ إيرانية، بينما الطرف الآخر ليس لديه إلا الأدوات الحضارية، خصوصا أن الجيش اللبناني موضع تساؤل.

الأكثرية النيابية في لبنان وضعها أشبه بعائلة محتجزة في منزلها تحت تهديد السلاح، والخاطف يملي شروطه مستفيدا من تقاعس الشرطة. صمود العائلة سيكون على حساب أعصابها وسلامتها، وإن قاتلت فالنتيجة معروفة سلفا، ففي كلتا الحالتين هي تواجه الموت.

المعارضة اللبنانية تريد فرض الشروط، وترسيخ واقع الانقلاب على بيروت، وعلاوة على ذلك تريد أن تكافأ على الانقلاب. فالمعارضة لا تقبل بأية وساطة حتى وإن كانت من نوع فك أسر العائلة، والتعهد بعدم حمل السلاح، وهدم البيت على من فيه، وبعدها عفا الله عما سلف.

لبنان رهينة سورية وإيران، فقد رأينا كيف شن السوريون هجوما عنيفا على السعوديين، قائلين إن الدبلوماسية السعودية في لبنان فشلت، والسبب من وجهة نظر دمشق يكمن في أن السفير السعودي لم يتواصل مع السفير الإيراني في بيروت.

فهل هناك ما هو أغرب من هذا الحديث؟ فعندما نقول إن ما يحدث في لبنان اليوم هو انقلاب إيراني بتنسيق سوري هدفه خطف لبنان وتغيير تركيبته، يقال إننا طائفيون. والواقع أن ما يحدث في بيروت اليوم ليس امتدادا لتاريخ الصراعات والانقسامات المعتادة في لبنان، بل هو أمر أكبر من ذلك.

ها نحن نرى كيف تحاول سورية وإيران، إفشال الجهد المبذول في الدوحة، فبيان المعارضة أمس وسط المفاوضات لا يمكن وصفه إلا بالضربة للجهود المبذولة في قطر.

ما يحدث في لبنان مخطط كبير بدأ في العراق، ورأيناه في غزة، وها هو اليوم في بيروت، وسيستمر حتى يطوق الدول العربية، حينها ستكون إيران القوة النافذة في المنطقة، وبعدها ستخضع جميع دولنا، وبالقوة، لأجندة طهران.

فالقضية ليست كما يقال لنا بأن كل ذلك استنفار لمواجهة إسرائيل. سورية التي تتغنى بأنها دولة ممانعة ما هي إلا دولة مخادعة، فها هي تفاوض تل أبيب. أما طهران فلم تطلق رصاصة واحدة تجاه إسرائيل.

غياب الأفق السياسي في لبنان، كما أسلفنا، واختلال موازين القوة، والتدخلات الأجنبية السافرة في لبنان، حلها المطروح اليوم يشبه منح الخاطف المنزل بمن فيه، مع الإشادة بإنجازه.

ولذا ليست في الأفق إلا غمامة سوداء، وقودها طائفية مقيتة، قد نشهد بدايتها، لكن لا نعرف نهايتها، وعليه فيبدو أننا مطالبون بربط الأحزمة لمرحلة عصيبة قادمة.

[email protected]