بين الناقد الغذامي والفنان محمد عبده

TT

اعتبر الناقد الكبير الدكتور عبد الله الغذامي الفنان محمد عبده أقرب إلى المنشد، فهو لا يراه مطربا ولا ملحنا، وتمنى لو أنه لم يغن «أنشودة المطر» لبدر شاكر السياب، معتبرا أن اللغة الفصحى لا تسلك على لسان محمد عبده، وأنه لا يستطيع أن ينطق الجمل الفصيحة، وذهب إلى القول بأن «أنشودة المطر» على لسان محمد عبده مخجلة جدا، كما اتهم مخارج الحروف لدى محمد عبده بعدم الوضوح..

جاءت هذه الاتهامات، التي كالها الغذامي للفنان محمد عبده، ضمن حوار نشر له بصحيفة «الرياض» السعودية، وأخال الغذامي قد مارس على غير عادته تقديم آراء انطباعية، وهو الناقد الملتزم بصرامة في ساحته الأدبية بمعايير النقد وضوابطه، إذ يعترف في ذلك اللقاء بأنه لا يعرف في الموسيقى ولا في الفن بالشكل الذي يمكنه من الحكم، وأنه اعتمد في أحكامه تلك ـ كما قال ـ على وقع الأداء على أذنه فقط..

لا أتفق مع الصديق الغذامي حول تلك الأحكام، وليس بالضرورة أن يحدث مثل هذا الاتفاق، فالفن مساحة تحتمل مثل هذا التباين، لكن مقالي هذا يحاول أن يدلل بما قاله الدكتور الغذامي لتأكيد إشكالية العلاقة بين الأدباء والفنانين في الساحة المحلية، تلك الإشكالية التي أشرت إليها في ذات مقال نشر هنا بعنوان «تجسير العلاقة بين الفن والمثقفين»، فالفجوة بين الفنانين والأدباء تتسع في الساحة السعودية على عكس ما كانت عليه حتى وقت قريب، حينما كانت العلاقة بينهما وثيقة جدا، فبقدر ما كان يحرص الأديب على تذوق الأعمال الفنية، كان لدى الفنان شغف مماثل بالأدب والفكر، فكنت ترى مجالس الفنانين لا تخلو من الأدباء، كما لا تخلو صالونات الأدب من الحضور الفني.. اليوم تباعدت المسافة بين الفريقين، واكتفى الفنانون بجمهورهم، وتفاعلوا مع ذوقه السائد بدون أن يلقوا بالا لمن يمكن أن نطلق عليهم النخب المثقفة، وقد أدارت تلك النخب ظهرها هي الأخرى لهذه الشريحة من الفنانين، وفي هذا المناخ كان من الطبيعي أن تتعثر الأغنية في تخطي المسافة بين الفريقين..

الموسيقار العظيم محمد عبد الوهاب يعتبر من أبرز الفنانين العرب الذين تنبهوا إلى ضرورة التواصل مع أدباء ومفكري عصره أمثال: شوقي، والعقاد، وتوفيق الحكيم، وقد أنتج في ظل ذلك التواصل أعمالا فنية راقية لامست مختلف الأذواق، ومحمد عبده في تقديري هو الفنان الأجدر والأفضل والأبرز للتصدي لردم هذه الهوة، وتجسير العلاقة، فصوته الأقرب والأنضج والأعذب للوصول إلى مختلف شرائح المتلقين..

ولصديقنا الجميل الغذامي دعوة استماع خاصة لعلها تقرب ما أبعدته المسافات.

[email protected]