مصر والسعودية مُلزمتان بأمن لبنان

TT

أنا خائف على حياة حسن حزب الله. ليس من اسرائيل. هو لم يعد مخيفا لها بعد نصره «الإلهي» الذي حققه باجتياح اللبنانيين. اسرائيل لا تسعى إلى اغتياله. تعرف أن الرد سيكون في سفاراتها ومصالحها في العالم (لنتذكر ما حدث في الأرجنتين مثلا).

خوفي على السيد حسن مما راكمه على جسده وهو قاعد في مخبئه. عندما يظهر على الشاشة يبدو وكأنه فرغ للتو من اجتياح خروف محشي. الشيعة بحاجة الى «سيد» رياضي ورشيق قادر على مواصلة امداد قواته «الجهادية» المعتصمة في قلب بيروت بالشيشة والأركيلة والكاتيوشا.

كنت آمل أن يسافر السيد حسن الى الدوحة، لكنه تذرع بالخوف من اسرائيل. السبب الحقيقي هو خجله من مواجهة زعماء بلده الذين اجتاحهم وهددهم بالحبس قبل أيام، ونسي ان يعتذر لهم. أتمنى من كل قلبي النجاح لكرادلة لبنان السياسيين المشاركين في لقاء الدوحة. فقد تعهد الشيخ حمد بن جاسم بعدم الافراج عنهم قبل انطلاق الدخان الابيض معلنا ولادة معاهدة السلام. الضيافة القطرية، على الرحب والسعة، كرم عربي اصيل. لكن لا أظن الدوحة ترضى بقبولهم لاجئين سياسيين مقيمين، بعدما رأت تظاهرة مُعاقي الحرب الأهلية تودعهم بلافتة: «إذا ما اتفقتوا لا ترجعوا».

جدول أعمال لقاء الدوحة «هيك وهيك»: مريح وصعب. ممكن الاتفاق على قانون الانتخاب. ممكن الكلام عن استعادة هيبة الدولة... لا سلطتها، كان الأحرى بالوسطاء عدم اصطحاب العماد عون معهم الى الدوحة. فقد تجددت شهوته الرئاسية بعد الاجتياح. هو الآن، بعد الاجتياح، يعارض ترئيس غريمه العماد سليمان!

لماذا يتم الغمز من جانب بعض الأطراف من اتفاق الطائف الذي رعته السعودية؟ الاتفاق معاهدة كرست توزيعا أكثر توازنا وعدلا للسلطات بين الطوائف. من دونه لا يمكن التوصل إلى معاهدة سلام دائم في الدوحة. هل حزب الله أو نبيه بري غير راضيين عن الطائف؟ لولا الطائف لما وصل سيد «أمل» إلى رئاسة السلطة التشريعية. بري نبيه فعلا. لكن غلطة الشاطر بألف غلطة. أغلق القبة النيابية بالمفتاح. كان مجلس النواب المكان الطبيعي والشرعي للحوار، بدل ان يصبح بري طرفا من أطراف النزاع، بعدما شاركت ميليشياه في اجتياح بيروت.

كلنا نعرف ان سلاح حزب الله بات في صميم مهمة لقاء الدوحة بعد الاجتياح. كرادلة «حزب الله» يصرون على «قدسية» سلاح المقاومة التي لم يعد لها من معنى أو ساحة، بعدما فضّت القوات الدولية الاشتباك بين الحزب واسرائيل. أرغب هنا تسهيل مهمة الوسطاء العرب باقتراح حلين عمليين لسلاح الحزب: تركه في عهدة الجيش اللبناني. أو نقله وديعة لدى بشار سورية. من السهل في الحالتين استعادته في حالة واعدة، وهي عدوان اسرائيلي يستهدف الحزب مباشرة، وهو احتمال بات بعيدا.

الحركة الميدانية على الأرض تشير إلى انفراج في لبنان. الوساطة القطرية جاءت بعد زيارة أمير قطر لدمشق. إذا انعكس الانفراج الميداني على لقاء الدوحة بالوصول إلى اتفاق حول سلاح الشيعة في لبنان، وتم انتخاب العماد سليمان رئيساً، وتشكلت حكومة وحدة وطنية، فبالإمكان القول ان لبنان دخل فعلا منطق سلام نسبي في المستقبل المنظور.

إذا أخفق لقاء الدوحة في إقامة السلام على الأرض، فلا بد من التفكير بسرعة ببدائل عربية. أعتقد أن مصر والسعودية، عندئذ، مؤهلتان للقيام بمبادرة ميدانية في لبنان. هما الدولتان العربيتان.. الكبيرتان الملزمتان بأمن وحماية لبنان، بعد الاجتياح الإيراني للعاصمة اللبنانية، واحتلال وإذلال السنة رمز عروبة لبنان.

العماد سليمان يعترف بخوفه على الجيش اللبناني من الانفراط (تمرد أو انسحاب ضباط وجنود الشيعة) لو انه تدخل وتصدى للاجتياح الشيعي للعاصمة. هذا الاعتراف يضع لبنان أمام احتمال أمني وسياسي مخيف: قلب الحكومة والسلطة في لبنان، وفرض واقع شيعي إيراني سوري هناك.

احتواء إيران للبنان بعد احتوائها سورية يجعل المشرق العربي كله تحت هيمنة نظام فارسي مذهبي مضاد لعروبة المنطقة وثقافتها المتوسطية المنفتحة التي يعبر عنها لبنان بالذات. العروبة المشرقية المهددة هي التي يجب أن تحدو بمصر والسعودية الى المبادرة عمليا والتحرك ميدانيا، ربما بإنزال قوات مشتركة في لبنان.

العامل الجيوسياسي ليس ميزة لسورية وإيران وحدهما. القوات المصرية تملك أسطولا ضخما مؤهلا للقيام بعمليات برمائية. السعودية سبق لها ان شاركت في قوة عربية في لبنان، ثم انسحبت بعدما تبين لها أن نظام الأسد استغل مظلة المشاركة العربية لفرض الهيمنة والوصاية على لبنان.

الوجود المصري ـ السعودي الميداني في لبنان، يستطيع أن يضمن موافقة معظم الدول العربية، إذا لم يكن مضمونا قرار الجامعة العربية. أيضا، إذا لم يكن قرار دولي من مجلس الأمن مضمونا، فأوروبا والولايات المتحدة لا تمانعان بالمبادرة الميدانية العربية. بل يمكن ان توفرا غطاء جويا وصاروخيا للإنزال العربي في لبنان. لا يمكن لحزب الله وسورية استفراد القوة العربية، كما حدث للقوات الفرانكو ـ أميركية (1983). السنة بالذات سيشكلون أرضية شعبية مرحبة ومتعاونة. الوجود المصري ـ السعودي سيكون مؤقتا، ريثما يتم لجم «طوشة» الشيعة، وإيجاد حل لسلاح حزب الله، وحل ميليشياته وسائر الميليشيات التي يمكن أن تشكلها الطوائف خوفا من خطر اجتياح شيعي جديد.

أكتب هذا الكلام وأنا لا أدري، بعد، ما إذا كان بيان إيجابي سيصدر عن لقاء الدوحة. المهم أن يواكب قرارَ السلام، إذا صدر، تنفيذٌ عملي على الأرض في لبنان: رفع السيف الإيراني المصلت على رأس ورقبة لبنان. وكل ما عداه تفاصيل وقبض ريح. لا بد من ضمانة تقدمها إيران وسورية بعدم لجوء الحزب إلى السلاح ضد اللبنانيين مرة أخرى.

غرضي القول ان رؤى الزعامات الطائفية في لبنان يجب أن تتجاوب وتلتقي برؤى شعب الطوائف في الحنين الى السلام والتعايش، وفي رغبته باستعادة الدولة هيبتها وسلطتها. لبنان بحاجة الى استعادة دور السياسة ومنطق الحوار السلمي. هذا هو الخيار الوحيد امام شيعة لبنان. ليس بإمكان القوة والسلاح تغيير الجيران. لا يمكن إلغاء عروبة لبنان، وتهجير الدروز والموارنة والسنة، واستيراد إيرانيين ليطيب التعايش معهم هناك.

غادرت لبنان عندما دخل الجيش السوري قبل اكثر من ثلاثين عاما. لم أكن أريد لجيش بلدي ان يكون شرطيا في بلد عربي آخر. لقد رأيت ما صنعت البندقية الفلسطينية في لبنان، من فوضى وتورط في اللعبة السياسية والحرب الطائفية. عانى الشيعة بالذات من تسلط الميليشيات الفلسطينية، ثم من الحرب الأهلية، ثم من الاجتياح الاسرائيلي. لا أريد للبندقية الشيعية ان ترتكب ما ارتكبته البندقيتان الفلسطينية والسورية.