«الإخوان» الإيرانيون!

TT

هل قال مرشد الإخوان المسلمين في مصر، مهدي عاكف، جديدا حينما انحاز إلى حزب الله اللبناني الشيعي في هذه الأزمة؟ وهل أبدت جبهة العمل الإسلامي الأردنية، ذراع الاخوان السياسية، جديداً وهي تؤيد حزب الله فيما فعله في بيروت والجبل، باعتباره رمز المقاومة ومؤدب العرب الصهاينة؟

قد يبدو الموقف للمراقب عن بعد عجيبا وغريبا، إذ كيف تؤيد جماعة اسلامية سنية، توصف بالأصولية، جماعة أخرى شيعية، في معركة طرفها الآخر يغلب عليه الطابع السني «أهالي بيروت الغربية».

هل ينبع هذا من موقف متجاوز لكل الحواجز، ومرحب بالإنسان، أي إنسان، دون النظر للونه وعقيدته ومذهبه؟ أم أن القصة ليست بهذه البراءة؟

إذا كان الموقف الاخواني هذا ينبع من قلب التسامح والإخاء، فلماذا إذن سطر الإخوان في تاريخهم صفحات وصفحات من الصراع والإثارة مع آخرين اختلفوا معهم، من نفس المذهب، بل وربما من نفس التيار الاخواني؟ أين ذهبت هذه السماحة الفكرية والعقيدية التي فاضت شلالات إزاء حزب الله الخميني وإزاء إيران؟ الحقيقة أن العلاقة بين «نفس» وروح التنظيم الاخواني، هي علاقة ترابط بينه وبين الإسلام الشيعي بالنسخة الخمينية، والحجة دوماً: مواجهة العدو الخارجي، حينا بريطانيا او اسرائيل او امريكا، ويشتركون في تقديس السياسة ورفعها الى مرتبة الدين، تماما كما يصنع حزب الله الايراني في التعامل مع قضية السياسة الخارجية، وكأنها قضية الايمان بالله، لا تقبل القسمة على اثنين، فهي محسومة سلفاً بتوجيه السماء. وهذا بالضبط هو نهج الاخوان المسلمين في النسخة السنية، هذا المناخ من تصعيد السياسة ومركزة العمل فيها باتجاه المقاومة ومعاداة الخارج، وتهميش كل جوانب السياسة الأخرى، بما فيها سياسة التنمية الداخلية، هو بالضبط المناخ الذي ولدت فيها الاصولية الشيعية المسيسة الحديثة، وعلى رأسها حزب الدعوة العراقي في الخمسينات، لدرجة أن بعض قادة حزب الدعوة كانوا أساسا عاملين في حزب التحرير العراقي الذي أسسه سني فلسطيني، منشق عن الاخوان، هو الشيخ تقي الدين النبهاني، والسبب في هذا التدفق او سهولة الانتقال من حزب التحرير او الاخوان السنيين الى حزب الدعوة الشيعي، هو مساحة التفكير والأحلام الآيديولوجية السياسية المشتركة، وقد كان من مؤسسي حزب الدعوة (الذي ينتمي إليه نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي) الشيخ عارف البصري، وهو ناشط اصولي شيعي، اتى الى حزب الدعوة من حزب التحرير السني.

ويخبرنا الكاتب البحريني، منصور الجمري، عن أن شخصيات شيعية اسلامية عراقية التحقت بحزب الدعوة بعدما كانت تعمل في كنف جماعة الاخوان المسلمين في العراق كما في بحثه (صفحات من تاريخ الحركة الإسلامية البحرينية من «الدعوة» إلى «أحرار البحرين» إلى «الوفاق»). المنشور في جريدة «الوسط».

يذكر الشيخ السوري، القريب من الاخوان، علي الطنطاوي في مذكراته كيف احتفى الاخوان السوريون بالناشط الايراني الاصولي الثوري، نواب صفوي، زعيم حركة «فدائيان مبارز» حينما قدم للشام، وهو ـ أي صفوي ـ كان السلف الفكري والسياسي للخميني. وقد ذكره الخميني كثيرا في خطبه بعدما عاد الى طهران منتصراً.

الفكرة من هذا كله أن هناك «صلة رحم» سياسية بين حركة الإخوان المسلمين السنية، وتوابعها ومن يدور في فلكها من كتاب وصحافيين يقدمون انفسهم باعتبارهم مستقلين اسلاميين او «وطنيين»، وبين الحركة الشيعية الخمينية بكل تفرعاتها، والخيط الناظم لهذه العلاقة، هو الاشتراك الكبير في تسييس الاسلام الكلاسيكي لصالح اجندة سياسية ورؤى محددة للحل والدولة والمجتمع، وتكاد لا تشعر بالفرق المنهجي الكبير بين ادبيات الاخوان المسلمين وجماعة كحزب الله، لولا انك تتذكر من حين لآخر ان هذه مجموعات شيعية وتلك سنية أثناء الإحالات التاريخية أو تذكر الأبطال الرموز او اسم الفردوس الاسلامي المرتجى، فهو تارة

«الخلافة» وتارة دولة «صاحب الزمان» فلدى الشيعة يبرز الحسين والعباس وزينب.. وترى ألقاب حيدرة والكرار، ولدى الاخوان السنة: عمر بن الخطاب وصلاح الدين ونور الدين.. الخ.

من اجل ذلك فلم يكن غريبا موقف كموقف مرشد الجماعة في مصر مهدي عاكف، وهو يدافع بعنفوان وقوة، عن الخط الإيراني الأصولي الثوري تكاد معها تعتقد انه ولد في قم او في جبل عامل! يقول في مقابلة نشرت معه في «الوطن العربي» في اغسطس (آب) 2006، متحدثا عن طبيعة التحالف بينهم وبين حزب الله: «هو تضامن وتحالف وتأييد وكل شيء». وحينما طلب منه الجواب حول وجود اجندة ايرانية للسيطرة على المنطقة العربية وإشاعة النفوذ الإيراني، بادر بالقول: «فلنترك هذا الكلام جانبا، ما يقال عن أجندة إيرانية يقوله أعداء الأمة». ويبدي إعجابه باللغة الجدلية الايرانية وتفكير ملالي طهران فيقول: «الإيرانيون عندما تتحدث معهم تجد كلامهم موزونا فيه المنطق والحجة ولا يتحدثون إطلاقا عن رغبتهم في السيطرة وإنشاء دولة عالمية».

المرشد ورغم انه قال هذا قبل سنتين، إلا انه هذه الأيام وبعد غزوة بيروت التي نفذها الحزب الإلهي، عاد وجدد التأييد والدعم لهذا الحزب الخميني، ضاربا عرض الحائط بأي كلام عن توسع ايراني في كل قضايا العرب. لأن كل شيء «مدنس» بالنظر الى القضية المقدسة لديه وهي: مواجهة امريكا والصهيونية، ولو خربت البلدان كلها، في تناغم عجيب مع كلام مندوب حزب الله في حوار الدوحة، محمد رعد، حين ووجه بالحذر من سلاحه المصوب نحو اهالي بيروت والجبل، فقال:

«سلاحنا مقدس».

لماذا هذا التوتر والحنق لدى الاخوان المسلمين السنيين والاخوان المسلمين الشيعيين، او لنقل بين حزب الله السني وحزب الله الشيعي، فيما يخص مسألة السلم والعيش الهادئ والتوجه نحو الحياة والتنمية؟

لماذا هذا التصعيد العنيد والمغلق إزاء قضية السياسة؟ هل هذا كله خالص من دون شوائب، ام انه خطاب شعبوي لكسب عاطفة الجماهير المحبطة؟ ام ان الأمر أعقد من ذلك ويعود الى صراع مزمن بين تيار الدعوة للتنمية الداخلية والإصلاح الاقتصادي والتعليمي، وبين تيار المواجهة الخارجية وتأجيل او تهميش كل شيء من اجل هذه المواجهة؟ كما لاحظ بذكاء الدكتور عبد المنعم سعيد في مقالته المنشورة في هذه الجريدة الأربعاء الماضي.

موقف الاخوان المسلمين من هذه الغزوة لحزب الله، موقف خطير، والغريب أن المرشد، ورغم براغماتيته ومكر الاخوان السياسي المعتاد، تخلى هذه المرة عن تلاعبه بالالفاظ، وابدى التأييد الصريح لحزب الله فيما اقترفه، وفعل مثل ذلك بعض الاصوات الاسلامية المصرية المحسوبة على الاعتدال، وهي تصدح بالتأييد لحزب الله فيما فعله على قناة المنار!

يبدو لي في تفسير هذا الموقف، فوق التشابه في التفكير السياسي الاصولي، والنكاية بالنظام المصري الحاكم، هو الحرص من قبل «سيد» الجماعة على كسب ود «سيد» المقاومة، وبالتالي سيدة الاثنين: إيران، التي تدعم حركة حماس الاخوانية، وهي اول تنظيم اخواني ينشئ سلطة في العالم العربي، مهما كانت محاصرة او معزولة، فهي في النهاية سلطة الامر الواقع، ولديها وزراء وأجهزة، ولا من داعم لها الا ايران وتابعها حزب الله الذي يردد أمينه العام، اسم حماس كما يردد اسم «خيانة» لكل خصومه! هذا الموقف من جماعة الاخوان المسلمين يشير الى عمق الازمة التي يشعرون بها في النظام السياسي العربي، فهم في حالة خصام دائم معه، وربما يرون، وهم محقون في ذلك، انهم يملكون قاعدة شعبية كبيرة، فلماذا لا يصلون الى السلطة ويحكمون، مثلما وصل برعمها «حماس». واذا ما كانوا يفكرون في ذلك، وهم حتما يفكرون، فمن يمكن ان يوصلهم الى كرسي الخلافة السني إلا الملا الصفوي في طهران، في مفارقة عجيبة من مفارقات الزمان..

الاخوان، وحزب الله وجهان لعملة واحدة، هي اختزال الدين في مشروع سياسي سلطوي، والحجة الجاهزة دوماً: العدو الخارجي، ملغين كل عدو آخر حتى ولو كان عدو الجهل والفقر والتخلف والكساح العلمي.

ايران تقف من بعيد، وهي تدير اللعبة بمهارة وحرفية، وتحرك البيادق بكل اقتدار، لكنها، ومهما طالت تظل لعبة مؤقتة تنتهي بانتهاء غمامة الجهل والتخدير، مثلما انتهت غمامة حزب الله الصيفية.

[email protected]