هل تذبح أوروبا مواطني التيبت؟

TT

سيعتقد أي أوروبي قرأ في الصحف أخيرا عن الاحتجاجات في بلاد الغرب التي صاحبت رحلة الشعلة الأوليمبية إلى الصين أن الغرب يساند قضية أخلاقية وهي مساعدة مواطني التيبت. وسيطرح هذا تساؤلا بديهيا: ماذا يمكن أن يكون أفضل من تقديم يد العون لمجموعة من المواطنين الضعاف يسعون للاستقلال عن الحكومة الصينية المستبدة؟ ولكن المأساة الحقيقية هي أن أهل التيبت أنفسهم ضحايا لما يقوم به الأوروبيون من ممارسات دعائية، حيث إنهم سيتعرضون لمعاناة أكبر إذا ظهرت نعرة قومية صينية عنيفة لمقاومة ما يقوم به الأوروبيون.

يحاول الغرب أن يحمي حقوق مواطني التيبت الأبرياء الذين فقدوا استقلالهم بسبب الحكومة الشيوعية الصينية الاستبدادية، ومن ثمّ كان لصيحة «الحرية للتيبت» مردود كبير في الغرب. وقرار القادة الأوروبيين بمقاطعة حفل افتتاح الأوليمبياد في الصين يأتي في إطار الاستجابة لنداء أخلاقي، فقد أمسى التضامن مع المضطهدين من أبرز خصائص المجتمع الغربي، رغم أنه لا تعارض أية من الدول الأوروبية سيادة الصين على التيبت.

حاول التسلل إلى عقول الصينيين كي تفهم كيف يمكن أن تأخذ نفس الأحداث مظهرا مختلفا، فالتاريخ الصيني به ما يشير إلى أن سيطرة الصين على التيبت ترجع إلى القرن الثالث عشر. وقد شهدت السيطرة الصينية على هذه المنطقة موجات من المد والجزر على مدى القرون الطوال، ولكن الواقع أن هذا هو ما حدث في كثير من المناطق الأخرى في الصين. فلم تكن السيطرة المركزية في العاصمة متماسكة في يوم من الأيام، ويعكس عدم التماسك في الحكم الصيني على منطقة التيبت عدم التماسك الذي تعاني منه الحكومة المركزية القوية في الصين، ومع هذا فقد ظلت الصين مسيطرة على معظم أراضيها لفترة أطول مقارنة بالغرب.

والأكثر أهمية هو أن الشعب الصيني يتذكر جيداً أن المحاولات الأخيرة لفصل التيبت عن الصين ظهرت في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي عندما كان يدعم عملاء البريطانيين وعملاء لوكالة الاستخبارات الأميركية استقلال التيبت في وقت كانت الصين فيه ضعيفة. ويتذكر الشعب الصيني جيداً الغدر البريطاني، حين أجبر البريطانيون الصينيين على قبول الأفيون مقابل الشاي الصيني. وعلى الجانب الآخر، يبدو أن الغربيين قد نسوا «حرب الأفيون»، عندما كانت هونغ كونغ تحت الاحتلال البريطاني. ولكن هذا الفصل المذل في التاريخ الصيني ما زال جرحا متجددا في الصين. وعندما يبدو الغرب وكأنه يحاول أن يفصل إحدى المناطق الصينية مرة أخرى، يُنظر إليه وكأنه يضع الملح في هذا الجرح المتجدد. وفي الواقع، لا يعتقد أي مواطن صيني أن الحكومات الغربية تسعى فقط من أجل قضية أخلاقية متمثلة في مساعدة مواطني التيبت، بل يعتقد الصينيون أن هذه هي محاولات من أجل تمزيق الصين أو تشتيتها عن الطريق التي تسير فيها.

ويطرح ذلك تساؤلا: هل هناك ما يبرر الموقف الصيني الساخر من حملات حقوق الإنسان الغربية؟ ولفهم هذا، انظر إلى التاريخ بعيون صينية. فقد وقع الغرب بادئ الأمر، تحت قيادة نيكسون وكيسنجر، في غرام الصين عندما كانت الصين تتعافى من الثورة الثقافية، ونادرا ما كان يذكر الغرب حقوق الإنسان آنذاك. وفي المقابل، في التسعينات من القرن الماضي، عندما كانت الصين تمر بأفضل فترة على مدى عدة قرون، ركّز الغرب على القصور في مجال حقوق الإنسان. إن ما يحكم السياسات الغربية تجاه الصين هو المصالح الغربية وليس أوضاع حقوق الإنسان في الصين.

ولكن، ليس هذا هو السبب الوحيد في احتقار الصينيين، فهم يعرفون جيدا ما يحدث عندما يأتي قادة دول الغرب إلى بكين. فهم في الواقع، يقضون جل وقتهم في محاولة لبيع المنتجات الأوروبية في الصين. وبعد هذا، يهمسون على استحياء بأن عليهم أن يتطرقوا إلى قضايا حقوق الإنسان لأنه يجب عليهم عندما يعودون إلى بلادهم أن يقولوا إنهم قد تحدثوا في تلك القضايا. وقد تلقى قادة الصين رسالة واضحة: هذه طقوس غربية. لا تعر هذا اهتماماً كبيراً. وفي ضوء هذه الحقائق، ليس من المفاجئ ألا يبدي القادة الصينيون احتراما للقادة الأوروبيين عندما يتحدثون عن حقوق الإنسان.

والمأساة في هذا هو أن مواطني التيبت هم الضحايا الحقيقيون لما يقوم به الأوروبيون، فعلى الرغم من أن سجل الحكم الصيني للتيبت أقل من أن يوصف بأنه مثالي، فقد حاول قادة الصين أن يحافظوا على الحكم الذاتي في التيبت. والحق، أنه لا يوجد نظريا خلاف جوهري بين موقف الدالاي لاما والحكومة الصينية، فالدالاي لاما يسعى إلى الحكم الذاتي وليس الاستقلال. والحكومة الصينية تعتقد أن الحل في الحكم الذاتي. وتقول ورقة السياسات الرسمية الحكومية في الصين إنها «تحترم ممارسة الاستقلال الذاتي العرقي الإقليمي في المناطق التي توجد بها أقليات عرقية تعيش مع أقليات أخرى، وهذه هي السياسة الأساسية لحل القضايا العرقية».

وعلى ضوء هذا الاتجاه العام، فإن على الغرب أن يسعى إلى تقليل، وليس زيادة، الفجوة بين الدالاي لاما والحكومة الصينية، والدبلوماسية الهادئة هي السبيل للوصول إلى هذا. ولن تؤدي الأساليب الدعائية التي يعتمدها قادة الدول الغربية ضد الصين إلا إلى ظهور نعرة قومية صينية أكثر عنفاً. وإذا ما حدث ذلك، فسيكون مواطنو التيبت أول من يعانون. وحينئذ سينعمون بقدر أقل من الحكم الذاتي. وهذا هو الثمن الذي قد يدفعه مواطنو التيبت مقابل الأساليب الدعائية السياسية في أوروبا.

* عميد كلية لي كوان يي للسياسات العامة في الجامعة القومية بسنغافورة

* خدمة «تريبيون ميديا سيرفز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»