الكويت اختارت

TT

هناك من يعتقد بأن النتائج التي آلت إليها الانتخابات البرلمانية الأخيرة في دولة الكويت هي نتائج «طبيعية» وتعكس حقيقة الأمر الواقع على الأرض، وهناك من يرى أن هذه النتائج هي إفراز متوقع للتقسيمات الجغرافية المناطقية المستحدثة، مما سمح «بمركزية» الأصوات بشكل غير مسبوق، الأمر الذي أتاح للتيارات الدينية والمرجعية القبلية أن يكون لها هذا الحضور المميز واللافت. ولعل أول سؤال يتبادر إلى الذهن حين التمعن في نتائج هذه الانتخابات هو إلى أي درجة تعكس هذه النتائج «الحالة الكويتية» تحديدا؟ وإلى أي درجة تنبه إلى الحراك والتغير في الذهنية السياسية في المنطقة؟ ولعل أبرز وأهم خلاصة فورية مستمدة من النتائج هي انحسار واضح لوجود حركة الإخوان المسلمين وتراجع تأثيرهم، وفي المقابل ازدادت حصة التيار السلفي بالكويت، ولعل هذا الأمر وحده كفيل «بفهم» كيف فشلت المرأة في الوصول للمجلس (في ثاني محاولة لها)، وذلك بعد أن تم تجييش الآراء وبعض الفتاوى المناهضة للمرأة والمعترضة على مشاركتها في الشأن السياسي كممثلة عن الشعب، وبالتالي تسميم المناخ وتوتيره، ولم تكن الفرصة سانحة لها بأن تشارك وتترشح من دون قلق. الحراك الليبرالي في الكويت حراك قديم وليس جديدا، وكذلك تحتضن الكويت أطيافا مختلفة من الأصوات المحسوبة على التيارات الإسلامية بشتى مشاربها، ولكن شيئا ما يتغير في الكويت، شيء ما يعبر عن قلق الكويتيين في مستقبلهم وتزعزع ثقتهم في أنفسهم ومؤسساتهم السياسية، وقد يكون هذا الأمر هو السبب المباشر في تراجع «التأثير» الكويتي التقليدي على الساحة الخليجية. فالصحافة الكويتية التي كان لها الثقل والأثر الإقليمي لم تعد كذلك وباتت مجرد إصدارات محلية، وكذلك فقد المسرح والتلفزيون الكويتي ثقله الذي كان معروفا عنه.. فقد التميز لصالح إعصار الفضائيات المهول، واقتصاديا سحب البساط من تحت أباطرة الاقتصاد الكويتي لمصلحة أبوظبي ودبي وقطر والبحرين والرياض. كل ذلك وغيره لا بد أن يكون مغروسا ومحفورا في ذهنية الكويتيين اليوم، وليس أدل على ذلك من حديث الديوانيات والمجالس الخاصة التي تتداول كل ذلك بشكل مستمر ودائم. صحيح أن النتائج الانتخابية بالكويت من الناحية «الرقمية» والكمية واضحة جدا، إلا أنه لا يمكن إغفال أهمية «قراءة» المغزى والمعاني الواردة من جراء ما حدث، فهذه القراءة كفيلة جدا بتفسير بوصلة الاتجاه السياسي للمستقبل الكويتي. إنها عودة للتشدد وانتصار للقبلية وتراجع للمجتمع المدني ومؤسساته. إخفاق الحكومات في اتخاذ قرارات وإصدار تشريعات وسياسات كفيلة بإزالة التبعيات والطبقية في المجتمع لغير الوطن، سيكرس الفكر المتشدد والانتماء «لهويات» بديلة داخل الوطن أو خارجه، وهذا من شأنه أن يكرس التقسيم داخل المجتمع ويقلل فرص التواصل التام والانتماء المتكامل في نسيج وطني وصحي متوحد. والكويت بنتائج انتخاباتها الأخيرة تقرع جرس الإنذار المدوي الذي يجب أن يستمع إليه الجميع.

[email protected]