إسكات الإعلام أقل وطأة

TT

حين أُقفلت مؤسسات «المستقبل» من صحيفة وإذاعة وتلفزيون وتم قطع كابلات أعمدة البث والإرسال في عائشة بكار وحرق المبنى القديم في الروشة واقتحام مكاتب أرشيف المستقبل في مارالياس وحرق اجزاء منه وإقفال مجلة «الشراع» وتخريب «اللواء» وحرق إذاعة سيفان.. حين جرى كل ذلك بدا من المحال أن يكون ما جرى مجرد انفعال أو جنوح من بعض المسلحين المنفلتين من عقالهم.

بدا أن ما حصل بمثابة فعل منظم وقرار متخذ من ضمن قرارات إقفال المطار والمرفأ وقطع الطرقات تحت عنوان ما سمي بالعصيان المدني..

الفاعل معروف وأعلن عن نفسه قائلا: ها أنذا..

معان كثيرة يمكن استخلاصها من استهداف الإعلام، خصوصاً أننا لم نتلق أجوبة عن الكثير من التساؤلات. إدانات خجولة من بعض أطراف المعارضة لكنها ترافقت مع انزلاقات عبر عنها مسؤولون في تلك المعارضة..

فأن يكون استهداف الإعلام جزءاً من برنامج معارضة ما مهما كانت هذه المعارضة، فإن ذلك يعني أن الاناء ينضح بما فيه.

إنها عينة عن الحال التي تطرحها علينا المعارضة بديلا عن الأوضاع الراهنة التي أفاضت المعارضة في نقدها والتنديد بتسلطها وتفردها بالقرار.

فالمعارضة تعريفاً هي بديل عن سلطة ناشئة وما أقدم عليه حزب الله من إقفال لوسائل الإعلام وتوقيف صحافيين ومصورين ومصادرة كاميرات وحصر التغطية الإعلامية بنقاط وزوايا محددة يجب أن يفهم على أنه النموذج البديل الذي يطرحه هذا الحزب على اللبنانيين.

لكن أيضاً في المعارضة أطراف أخرى.. ماذا عن مسؤولياتها حيال الإعلام؟

ألا يشكل إقفال المؤسسات الإعلامية تحدياً لما تطرحه هذه القوى على الأقل.. لم نجد في اداء هذه الأطراف جواباً شافياً خلال الايام الفائتة.

لم نشعر أن استهداف وسائل إعلام وصحافيين حرك في هذه القوى حساسية كنا نفترض أنها الحد الأدنى المتفق عليه بيننا..

فهل حقاً غفل حزب الله عن التداعيات الكبرى التي ستواجهه حين أقدم على إقفال وسائل إعلام «المستقبل» خلال هجمته المسلحة الأخيرة على بيروت ومناطق لبنانية أخرى!

كثيرون يرون أن حزب الله كان يدرك أن فعلته تلك ستثير زوبعة اعتراضية في وجهه لكنه فضل مواجهة الانتقاد لإقدامه على إقفال وسائل إعلام على أن ينقل الإعلام حقيقة ما جرى في شوارع بيروت وصيدا ومناطق أخرى كانت جميعها ساحات عاث فيها المسلحون.

هل كان إقفال الإعلام أقل وطأة من اجتياح السلاح؟؟

الأيام القليلة التي أعقبت انفلات سلاح «المقاومة» في الشوارع أظهرت أن ارتكابات هذا السلاح تجاوزت الكثير من الخطوط الحمراء وبالتالي كان يراد لهذه الارتكابات أن تبقى بعيدة عن الرأي العام اللبناني.

لا شك أن ما جرى بدا أنه جولة أولى من جولات الانفجار..

والبوادر تشير إلى أن حل المعضلة اللبنانية لا يزال بعيد المنال، وبالتالي يصعب أن يجد الإعلام في لبنان نفسه بمنأى عن تجاذبات السياسة وهيجان السلاح.

diana@ asharqalawsat.com