«حزب الله» يضع ثلاث طوائف في مواجهة طائفته!

TT

صار سلاح «حزب الله» على الطاولة، رغب الحزب أم رفض. كل اللبنانيين مصرون على معالجة هذا السلاح، لم يعودوا واثقين من وجهته. عام 2006 كانت وجهته اسرائيل. ثم جاء القرار 1071، وانتشرت القوات الدولية في الجنوب، فصارت وجهة ذلك السلاح الداخل اللبناني.

الحزب راهن على رفض سوريا وايران أن يمس اللبنانيون سلاحه. الدولتان غير مهتمتين حتى لو احرق هذا السلاح لبنان. لكن بحرق لبنان تُغير الدولتان كل معالم المنطقة. لذلك لم يعد الموضوع متعلقاً بلبنان فقط. فاذا سيطرت ايران على لبنان فانها تتسبب بتحول استراتيجي على مستوى المنطقة كلها. فهل يتحمل العرب والاوروبيون والغرب مثل هذا التحول؟ وهل يبقى الأمن القومي للدول العربية محمياً في هذه الحالة؟ اللبنانيون لم يعودوا يحتملون ان يكونوا رأس حربة لمشروع ايراني في المنطقة. اما بالنسبة الى القضية الفلسطينية فان اللبنانيين تبنوا موقفاً واضحاً، هم جزء من الأسرة العربية، وما تقرره يسيرون به. والأسرة العربية اصدرت عام 2007 «إعلان الرياض» الذي جاء فيه ان السلام هدف استراتيجي للامة العربية، كما يحكي عن التعدد والتنوع وحقوق المرأة وحقوق الانسان. لبنان مع هذا البيان، مع الاجماع العربي. ويقول النائب اللبناني سمير فرنجيه: «إن اول من يحدد طبيعة الصراع العربي ـ الاسرائيلي هم الفلسطينيون، واول قرار يلتزم به اللبنانيون هو قرار الاجماع العربي. اذا قرروا الحرب فنحن شركاء فيها، لكن نرفض شن حرب بالنيابة عن اي طرف آخر».

الآن، اذا لم يتفق القادة اللبنانيون في الدوحة، فان انعكاس عدم الاتفاق سيكون على كل المنطقة، اذ سيعمل «حزب الله» على مواصلة مشروعه ولا بد من ان يتحمل العالم مسؤولياته. ويقول النائب سمير فرنجيه :«إن حزب الله حاول في هجومه على بيروت، ومن ثم على الجبل، ان يحسم ويفرض أمراً واقعاً على الطريقة «الغزاوية»، الا ان لا طوائف في غزة. لقد حمى لبنان من هجوم حزب الله وجود الطوائف، والذي حمى لبنان دائماً من الانقلابات العسكرية هو الانقسام المجتمعي فيه. واذا عدنا من الدوحة من دون اتفاق، فان حزب الله امام خيار كبير، فاذا واصل فانه سيصطدم «بالزجاج»، واذا توقف، فان الناس سيربتون على كتفيه متسائلين: الى اين اخذتنا؟ ان حزب الله صاحب المشروع، واللبنانيين ضحايا مشروعه».

مع الاحداث التي وقعت في بيروت وعاليه والشوف تركزت الانظار على «حزب الله»، ثم ظهر النائب غسان تويني على التلفزيون اللبناني ليقول ان رئيس مجلس النواب نبيه بري، رئيس حركة «أمل»، كلفه مع بدء الاحداث ان يطلب من قائد الجيش العماد ميشال سليمان «القيام بانقلاب عسكري وتسلم كل المؤسسات». الا ان «حكمة» العماد سليمان ابت عليه القيام بهذا الدور. استغرب كثيرون منطق رئيس مجلس النواب، الذي ارسل مقاتلي «امل» مع مقاتلي «حزب الله» الى بيروت الغربية. قد يبدو ان «حزب الله» يسيطر على حركة «امل»، لكن بري رئيسها، وفي الوقت نفسه رئيس مجلس النواب، فهل أراد إنقاذ نفسه بانقلاب عسكري؟

«اذا ما اتفقتوا ما ترجعوا» هذا حال كل اللبنانيين تجاه زعمائهم السياسيين، لكن هناك شعورا، لدى البعض، بأننا كلبنانيين صرنا عامل ازعاج للعالم. وحول هذا يجيبني فرنجيه، النائب في البرلمان اللبناني، المغلق بأمر من رئيسه نبيه بري: «للإنصاف، نحن نزعج العالم صحيح، لكن العالم يزعجنا ايضاً، لأن كمية المعارك التي تُخاض على ارض لبنان لا علاقة للبنانيين بها». ويعدد المعارك بدءاً من الدور الاقليمي لسوريا، الدور الاقليمي لايران، وكل مسائل التفاوض السوري ـ الاسرائيلي. إن معارك الآخرين على ارض لبنان ولدت لدى كافة اللبنانيين شعوراً بأنهم لم يعودوا قادرين على تحمل ما يجري.

ويرغب هؤلاء إبلاغ العالم كله بأن الحلف الاستراتيجي بين «حزب الله» وايران وسوريا اكبر من قدرة لبنان على التحمل. فرنجيه يرى ان على اللبنانيين عدم التوجه الى الخارج، انما الاعلان عن موقفهم. ويرفض «تهمة» ان اللبنانيين سينقسمون، لأنه ليس المطلوب منهم تبني كل مواقف «14 آذار»، انما اتخاذ موقف ضد مسألة العنف، واستخدام السلاح لأي سبب من الاسباب واعتبارهما خطاً احمر.

مع أحداث بيروت والجبل، صار الحديث عن الطوائف في لبنان مبرراً، وبرز مفهوم جديد يقول ان سلاح «حزب الله» صار عبئاً على الطائفة الشيعية في لبنان. ورغم كل الكلام الانتصاري لـ«حزب الله» تشعر الطائفة الشيعية بأنها منعزلة اليوم. لقد حمّل الحزب الطائفة الشيعية أعباء فتنة لم يكن لها اي خيار فيها. ويقول فرنجيه: «ليس الشيعة من أخذ قراراً باجتياح بيروت او بخوض معارك في الشوارع. انهم ضحية، كما بقية الشعب اللبناني. ولذلك المطلوب من كل اللبنانيين إسماع صوتهم، لأن الخلافات السياسية امر طبيعي في كل مجتمع، اما معركتنا في الداخل اللبناني فستكون حول رفض الاحتكام للسلاح».

لكن هذا يتطلب تقوية الهوية الوطنية وإضعاف الهوية الطائفية وتنامي التيارات العلمانية. يقول فرنجيه: «اذا كان الفرد متمسكاً بطائفته، وهو غير علماني، فان مصلحة طائفته تقتضي ان يتوجه سلمياً. من يحب طائفته لا يعرضها للخطر، ولا يضعها على خلاف مع كل طوائف لبنان ولا يؤسس لمشكلة قد يدفع اولاد اولادنا ثمناً لها. من يحب طائفته يعرف ان حمايتها تأتي من علاقتها الجيدة مع الآخرين. هذا ينطبق على الطائفي، فكم بالحري المتمسك بالهوية الوطنية».

وأسأله: إن هجرة المسيحيين المتكاثرة تدفع الى التساؤل عما اذا كانوا لا يزالون يؤمنون بلبنان. وفي الاحداث الاخيرة ردد البعض ما مفاده ان «ورقة التفاهم» بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله» انقذت المنطقة المسيحية، وقد رفض هذا الطرح كثيرون. فـ«حزب الله» لم يكن قادراً على إسقاط كل اقنعته دفعة واحدة، او على فتح ثلاث جبهات داخلية في وقت واحد. فرنجيه نفسه يرفض هذا الطرح «وكأن المسيحيين أهل ذمة في لبنان في بلدهم".

ويضيف: «ان الانجاز الذي حققه المسيحيون ما بين عامي 2000 و2005 كان عندما اعتبروا ان استعادة سيادة وحرية واستقلال لبنان لا تتحقق إلا بالتعاون والمشاركة مع المسلمين وانجزوا «معركة الوصل» مع المسلمين قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بعد الاغتيال انتقلت المعركة الى السنّة وصار شعار لبنان اولاً، شعاراً كيانياً اساسياً عندهم».

هل تكون معركة بيروت وعاليه والشوف نقطة الفصل بالنسبة الى الطائفة الشيعية.. لقد تأكد وجود شعور كياني عميق جداً لدى الطوائف اللبنانية، اما «حزب الله» فانه لا يتجرأ على الكشف عن مشروعه. يتلطى مرة بقانون انتخاب في وقت يردد فيه أمينه العام السيد حسن نصر الله: ان الحزب لا يريد السلطة. ثم يتحدث عن الثلث المعطل رغم انه شل البلاد من دون هذا الثلث، وشن حرباً على اسرائيل. يشعر فرنجيه ان «حزب الله» صار يبدو وكأنه «حالة اجنبية تعيش في لبنان، اذا اعتبرنا انه يمثل نصف الطائفة الشيعية، والشيعة نصف المسلمين، وكل المسلمين نصف اللبنانيين. اذن اين صار الحزب مع مشروع لا يجرؤ على الكشف عن تفاصيله واهدافه؟».

المأساة أن الحزب اخذ نصف الطائفة رهينة، وسبب ازمة في النسيج الطبيعي التقليدي في لبنان مع وجود 250 ألف شخص من سنّة وشيعة متزوجين من بعضهم البعض، وهؤلاء مثل بقية اللبنانيين تعبوا من طروحات «حزب الله»، وبلغ هذا التعب مرحلة المطالبة بالانفصال. ثلاث طوائف في لبنان ترفض ما يقوم به جزء من الطائفة الرابعة، وهؤلاء بدأوا يقترحون ان يأخذ الحزب منطقة في لبنان ويعلن فيها دولة «ولاية الفقيه»، و... يحل عن ظهرهم!