شو بيبقى من الرواية؟!

TT

الدوحة، العاصمة القطرية التي عرفت عنها مؤخرا استضافة الفعاليات الكبرى، ولعل أبرزها كانت دورة الألعاب الآسيوية التي كانت كرنفالا رياضيا جميلا، تستضيف الآن كرنفالا سياسيا لبنانيا. اللبنانيون تعودوا أن تكون الحرب بقرار خارجي وأن يكون السلام أيضا بقرار خارجي. لغة العقل في غيبوبة تامة، والكل يغيّب المنطق لصالح شبح الطائفية المقيت. «حزب الله» لن يرضى إلا بحكم لبنان، وتغيير واقعه المتنوع الفريد، فقضية الثلث المعطل ما هي إلا أداة لتغيير ما تم الاتفاق عليه بالطائف ليعكس تقاسم سلطة مسيحي ـ مسلم، ولكنه الآن يقدم طرحا تفريقيا وتمزيقيا بامتياز، فعرضه الأخير يقسِّم المسلمين إلى طائفتين «فعليا» على الساحة السياسية في لبنان، ولذلك لن يكون أي حل دون هذا السقف مقبولا، ويدعمه في هذا التوجه «تكتل» شكلي مكون من طالب رئاسة الجمهورية «بأي ثمن» ميشال عون وطالب البقاء على رأس البرلمان «كيفما كان» نبيه بري. المسألة ببساطة لها أبعاد طائفية مقيتة مهما زينت بعكس ذلك. لا يمكن تقديم «حل» يفض الاشتباك العسكري بين الفريقين مع إبقاء السلاح في أيدي أحد الأطراف وتوقع أن تستمر المسألة كما كانت وتمضي الأمور بسلام! لبنان بلد فيه 40 صحيفة، 42 جامعة، 100 مصرف (ولا نقول فرعا!) إنه بلد تميز بالإحصائيات الغريبة والمتناقضة، ولكنه بلد عصي على التعلم والاستفادة من دروس الماضي. بيروت وحدها دمرت وأعيد بناؤها سبع مرات، ولذلك دوما ما تشبه بطائر الفينيق. لبنان بلد تعداد سكانه بالداخل ثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة، ويقطن خارجه عشرة ملايين، ومع ذلك هو غير قادر على حل مشاكله بنفسه. اللبناني «عبقري» الحلول في مجالات شتى، ويبرز ويتألق بامتياز، ولكنه يسقط وبقسوة في الوحل السياسي ببلاده. لبنان بتأزيم الوضع فيه يقدم خدمة العمر لإسرائيل، فهو يؤجج فتنة عربية جديدة ويواصل مسلسل هدر الوقت والفرص والدماء. كأس السلطة وغرور المنصب ونشوة القيادة تجرَّعها بتفاوت قادة الميليشيات والجنرالات بشتى أشكالهم ويدفع ثمنها البلد بأكمله. لبنان الآن يجسد مشهدا بائسا من مشاهد أفلام المافيا المعروفة باسم «الأب الروحي» الذي كان دوما ما يقدم عرضا يصعب رفضه، كيف لا وفوهة المسدس تكون موجهة إلى رأس الضحية، والآن تقوم المعارضة المسلحة بالفعل نفسِه، مدججة بالسلاح الفتاك والمدمر، وبعض أشباه رجال يتسترون خلف أقنعة سوداء تليق بقطاع طرق ومجرمين لا بمقاومة كريمة وشريفة. اجتماعات الدوحة الطويلة وجولاتها المستمرة أثبتت أن لبنان لا يزال أداة طيعة في أيدي الغير، واللون الأحمر الذي يخط على علم لبنان وكان دوما رمزا للعزة والوطنية، بات الآن رمزا للفتنة الدموية. ويبقى القول الأخير: مفتاح الفتنة يبقى دوما بأيدي اللبنانيين أنفسهم أولا، وعليهم هم أنفسهم أن يعوا، من معهم ومن ضدهم!

[email protected]