أنقذوا سلاح المقاومة.. من «المقاومة»

TT

رغم توجيهه بشراسة الى صدور اللبنانيين، ورغم توظيفه بوقاحة أداة قهر لفرض وجهة نظر سياسية خاصة على اللبنانيين، ورغم انكشاف دوره الحزبي الحقيقي على «الساحة اللبنانية».. سنسلم جدلا بأن سلاح حزب الله هو، في الأصل على الأقل، سلاح مقاومة للاحتلال الاسرائيلي لنطالب، بعد كل ما حدث، بـ«إنقاذ» هذا السلاح من مسيئي استعماله بذريعة «الدفاع» عن سلاح المقاومة.

بعد غزو بيروت الغربية، ومحاولة احتلال الجبل، وإجبار الجيش اللبناني الشرعي على إخلاء ثكنة فتح الله في منطقة البسطة الفوقا في بيروت،

وبعد ان ثبت بالتجربة أن تنظيم حزب الله أعجز من أن يتحرك في لبنان خارج الإطار المذهبي الضيق لقاعدته المسلحة ولتركيبته الميليشيوية.. فإن أقل ما يمكن قوله في هذا الحزب أنه فرّط بسلاح المقاومة، ولطخ سمعة بندقية المقاومة، وبالتالي لم يعد أهلا لأن يؤتمن بعد اليوم، لا على احتكار العمل المقاوم ولا على ترسانته العسكرية.

منذ حرب صيف العام 2006 و«مهمة» حزب الله تكثير أعدائه في الداخل ومنتقديه في الخارج. وبعد دفعه اللبنانيين بانفعالية سياسية ظاهرة الى شفير الحرب الأهلية، لم يعد مستغربا ان يطلق البعض عليه إسم حزب المقامرة .. لا المقاومة.

إلا أن اللافت أن يجري كل ذلك في وقت تتحول فيه سورية، بمساعي تركيا الحميدة، من دولة «ممانعة» الى دولة «مصالحة» مع اسرائيل، وفي وقت تواصل فيه ايران تحدي واشنطن والعواصم الغربية الكبرى بإصرارها على مواصلة برنامجها النووي المشكوك بأهدافه الحقيقية.

إذا صح اختصار أزمة الشرق الاوسط الراهنة بالمواجهة القائمة بين ما يسمّيان بالمشروعين الاميركي والايراني للمنطقة، توحي التطورات الاخيرة في بيروت أن المشروع الايراني سجل في لبنان انتصارا «بالنقاط» على المشروع الاميركي.

ربما تكون طهران قد تشجعت من ردة الفعل الاميركية الضعيفة على غزو حزب الله لبيروت الغربية، ومن تراجع حكومة السنيورة عن القرارين اللذين فجرا الازمة اللبنانية، لتطالب حلفاءها في لبنان بتصعيد مطالبهم السياسية على طاولة الحوار في الدوحة، كما يبدو من تقديمهم لطروحات تتوخى تحويل ما اعتبره حزب الله «شرعية السلاح» الى شرعية سياسية تتجاوز دستور الطائف وتعرض الديمقراطية التوافقية في لبنان لخلل بنيوي.

إلا أن المفترض، في ظل الظروف الدقيقة التي تمر بها المنطقة، أن يخضع الاستعمال السياسي لـ«سلاح المقاومة» على الساحة اللبنانية إلى حسابات أكثر دقة من أي وقت مضى، فلا العرب المعتدلون يتحملون تحول لبنان الى محمية ايرانية، ولا الولايات المتحدة ترضى بان يصبح قاعدة متقدمة للحرس الثوري الايراني، ولا اللبنانيون يقبلون التخلي عن نظامهم التعددي الديمقراطي (على علاته).. ما يعني أن تداعيات استعمال هذا السلاح، إن تكررت، لن تقتصر على شوارع بيروت وقرى جبل الشوف وعاليه بل ستتجاوزها إلى المنطقة ككل.

من هنا أهمية الحرص على وضع قرار استعمال سلاح المقاومة في لبنان في أيدٍ واعية للابعاد المحلية والاقليمية لهذا الاستعمال، الامر الذي يجعل الدعوة لدمجه ضمن منظومة دفاعية شاملة بإشراف الجيش اللبناني دعوة لضمان سمعة سلاح المقاومة و«عقلنة» استعماله معا.

ورغم أن أحداث بيروت والجبل أثبتت أن الخطوة الاولى على طريق «عقلنة» قرار استعمال سلاح المقاومة تبدأ بتحويل المقاومة من مقاومة «حزباللاوية» الى مقاومة لبنانية وطنية شاملة (كما انطلقت أصلا قبل ان يصادرها حزب الله بالقوة) فإن السؤال يبقى: هل لا تزال المقاومة المسلحة عنوان المرحلة في هذا المنعطف من المواجهة العربية الاسرائيلية؟ أم أن الخيار الاستراتيجي السائد حاليا هو دبلوماسية التفاوض السلمي... خصوصا بعد انخراط النظام السوري في هذا المسار؟

ربما كان استباق التسوية السورية ـ الاسرائيلية المرتقبة، وما ستستتبعه من سقوط ذريعة المقاومة المسلحة، أحد دوافع استعجال حزب الله فرض دولته على ارض لبنان.