إشارات خاطئة من واشنطن

TT

مع تضاؤل أهمية قضية العراق في الانتخابات الأميركية، بدأت قضية إيران في الظهور. فعلى مدى الأسبوع الماضي، تبادل المتنافسون الثلاثة الباقون في الانتخابات الرئاسية التصريحات حول هذا الموضوع.

ولكن بدا أنه لا أحد يعرف ما هي المشكلة، ناهيك عن الحل.

السناتور باراك أوباما، المرشح الديمقراطي المتوقع، هو الوحيد الذي تحدث عن شيء محدد: إذا تم انتخابه، فسوف يدعو نظيره الإيراني الرئيس محمود أحمدي نجاد لإجراء مباحثات غير مشروطة.

وقد صرح أوباما في مؤتمر صحافي بقوله: «إن الشروط المسبقة بالنسبة لدولة مثل إيران لها معنى محدد. لأن الإدارة الحالية كانت واضحة تماما في أنها لن تجري مفاوضات مباشرة مع إيران إلا إذا التزمت إيران بالشروط المسبقة. وتلك الشروط، وفقا لإيران والكثير من المحللين، هي موضوع المفاوضات؛ ومنها مثلا برنامج إيران النووي».

ويتطلب إجراء مباحثات بدون شروط مسبقة من الولايات المتحدة تجاهل ثلاثة قرارات وافق عليها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع وفيها عدة مطالب من الجمهورية الإسلامية.

فقبل أن يبدأ أوباما في مباحثاته غير المشروطة مع أحمدي نجاد، هل يقدم مشروع قرار جديد لمجلس الأمن ليلغي القرارات الثلاثة التي لا تعجب رئيس الجمهورية الإسلامية؟ أو هل يتحدى أوباما الأمم المتحدة مما يضعف من سلطة مجلس الأمن؟

الشروط المسبقة التي لا تعجب أحمدي نجاد ويتعهد أوباما بتجاهلها لم يضعها الرئيس جورج دبليو بوش، بل تم إقرارها بعد أن أبلغت الوكالة الدولية للطاقة الذرية عن انتهاك إيران لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، ووفقا لميثاقها، فقد أحالت القضية إلى مجلس الأمن.

إن صرف النظر عن الشروط المسبقة قد يعني تجاهل حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين بالإضافة إلى روسيا والصين، وقد شاركوا جميعهم في صياغة وإقرار القرارات التي لا تعجب أحمدي نجاد.

مثل تلك التحركات تبدو تقليدا لما يسمى «بالدبلوماسية متعددة الجوانب» والتي من المفترض أن إدارة بوش تجاهلتها.

ومن الواضح أن أوباما لم يسأل رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن آرائهم في التغير المفاجئ في توجه الولايات المتحدة ومنح أحمدي نجاد مطلبا رئيسيا مسبقا.

من المحتمل أن أوباما لم يطلع بالشكل الكافي على «الشروط المسبقة» التي كان ثائرا بسببها.

فقد ذكر «برنامج إيران النووي» كشرط مسبق، وهذا غير صحيح. فلم ولا يمكن لأحد أن يطلب من إيران أن توقف برنامجها النووي. بل على النقيض، تعطي عضوية إيران في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية لها الحق في الاستعانة بالأعضاء الموقعين على المعاهدة، بما فيهم الولايات المتحدة، للوصول إلى أحدث تكنولوجيا في تطوير صناعتها النووية للأغراض السلمية.

ولا يطلب مجلس الأمن من الجمهورية الإسلامية شيئا مخزيا أو مهينا أو غير قانوني. فكل ما يطلبه من أحمدي نجاد أن يتوقف عن الخداع، وهو ما اعترفت الجمهورية الإسلامية ذاتها بأنها كانت تفعله على مدار 18 عاما. يدعو مجلس الأمن الجمهورية الإسلامية لتعليق، وليس حتى ترك، برنامج تخصيب اليورانيوم المخصص لصناعة القنابل مما يعد انتهاكا لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.

ليس لدى إيران محطة طاقة نووية واحدة، ومن ثم فهي لا تحتاج إلى تخصيب اليورانيوم إلا لتصنيع القنابل. فمحطتها الوحيدة للطاقة النووية تحت الإنشاء ومن المقرر أن يتم تجهيزها بنهاية 2009. ومع ذلك، فإن تلك المحطة لا تستخدم نوع اليورانيوم الذي تخصبه إيران. فاليورانيوم المخصب الذي تحتاج إليه ذو شفرة علمية مختلفة وهو النوع الذي ستورده روسيا، التي تتولى إنشاء المشروع، لمدة عشرة أعوام قادمة. (وقد عرضت روسيا أن تمد المحطة بالوقود اللازم لها طوال مدة عمل المحطة، حوالي 37 عاما.)

شرط مسبق آخر هو أن توضح طهران سبب بنائها لمصنع مياه ثقيلة في آراك بالرغم من عدم وجود أي خطط لديها لإنشاء محطات طاقة نووية تعتمد على البلوتونيوم. الاستخدام الوحيد الذي يمكن تخيله لمصنع آراك هو إنتاج مواد لتصنيع الرؤوس النووية.

وأخيرا، يطالب كل من الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومجلس الأمن طهران بأن تسمح بدخول المفتشين الدوليين لجميع المواقع المتعلقة بالمشروع النووي، وذلك وفقا لالتزام إيران بمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.

أقل دليل على حسن نوايا أحمدي نجاد هو تنفيذ قرارات الأمم المتحدة قبل ذهابه إلى البيت الأبيض لإجراء مباحثات مع الرئيس أوباما حول قضايا أخرى.

وقد ساعد موقف أوباما في تخفيف الضغوط المحلية على أحمدي نجاد بالإذعان إلى الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية. فرئيس الجمهورية الإسلامية يطالب منتقديه في الداخل بأن يصمتوا حتى تنتهي الانتخابات الرئاسية الأميركية.

فلماذا يجب على إيران أن تقدم تنازلات اعتبرها الرئيس المفترض أوباما غير ضرورية؟

وفي تناقض واضح، فإن موقف أوباما يشجع أحمدي نجاد على التصلب في موقفه، مما يجعل من الصعب على الرئيس المفترض أن يتعامل مع نظام يصفه أوباما «بالعدو».