لقطات أمريكية وإسرائيلية وشخصية

TT

أولاً: كنا نعرف أن السبب الرئيسي لزيارة الرئيس بوش للمنطقة في هذا الوقت بالذات هو المشاركة في الاحتفال بذكرى إنشاء دولة إسرائيل المغتصبة، ولكننا لم نكن نتصور أن ذلك الرئيس الذي يدعي أنه يبذل جهوداً لتحقيق السلام في الشرق الأوسط على أساس قيام دولة فلسطينية مستقلة لتعيش في سلام مع إسرائيل، سوف ينتهز فرصة الزيارة لكي يتخلى عن قناع الموضوعية التي تظاهر في الأشهر الأخيرة بأنه سوف يلتزم بها، ويظهر انحيازاً للدولة المعتدية يصل إلى درجة تكاد تكون غير مسبوقة منه، أو من غيره بحيث يستحق لقب «الصهيوني الأول» الذي أطلقته عليه صحف إسرائيلية. ولعل كل من اطلع على خطاب بوش أمام الكنيست لم يستطع أن يمنع نفسه من الشعور بالغضب الممزوج بالدهشة والاستنكار، أن يصل رئيس الدولة الأعظم إلى هذا الدرك من الفكر السقيم أو النفاق البغيض وفق ما إذا كنا نسيء الظن به، وهو أقرب إلى المنطق استناداً إلى كل تصرفاته، أو كنا نحسن الظن به وهو مالا يكون قطعاً في محله، قياساً على السياسات التي قاد إليها الولايات المتحدة. وقد أسبغ بوش في خطابه على إسرائيل صفات منها أنها أعظم ديمقراطية في المنطقة، بالإضافة إلى ألوان أخرى من المديح غير المبرر ولا المستحق الذي يهمني أن أقابله بما ورد في مقال نشره مؤخراً دانييل بارنباوم، قائد الأوركسترا اليهودي الإسرائيلي الذي شكل مع المرحوم إدوارد سعيد فرقه موسيقية مشتركة فلسطينية إسرائيلية تعبيراً عن الرغبة في إقامة سلام دائم وعادل يتجاوز الظلم الذي حاق بالشعب الفلسطيني ليحقق تعايشاً اعتقد الرجلان النبيلان أنه ممكن بقدر ما هو مطلوب. ذكر باربناوم في مقاله الذي نشرته الهيرالد تريبيون في 14 مايو 2008 عشية احتفال بوش مع أصدقائه الإسرائيليين بذكرى الاغتصاب والنكبة: «إن الصهيونية ما زالت تستند إلى أكذوبة أن الأرض التي استعمرها الإسرائيليون كانت خالية. وما زال الكثير من الإسرائيليين غير قادرين على أن يتصوروا معنى أن تكون فلسطينياً وأن تعيش في مدينة مثل نابلس التي أصبحت سجنا لـ 180 ألف شخص». وأضاف أنه «لا يتحدث عن العدل أو الحب ولكنه يتساءل أين ذهبت القدرة الذهنية والفكرية اليهودية الشهيرة، ولماذا يتم الاستمرار في تغذية الكراهية في قطاع غزة».

وذكر بارنباوم «أنه لن يكون هناك أبداً حل عسكري، ومهما بلغت قوة إسرائيل سوف يكون هناك خوف وانعدام للأمن على أرض بتنازعها شعبان، لأن النزاع سمح له أن يتغذى على نفسه وعلى الروح اليهودية». وأضاف «لقد أردنا أن نمتلك أرضاً لم تكن قط ملكنا، وشيدنا عليها مستوطنات مما يراه الفلسطينيون وبحق استفزازاً امبريالياً. إن مقاومتهم أمر مفهوم تماماً ولا أعني بذلك الأساليب التي يستخدمونها أو العنف أو التصرفات غير الإنسانية، ولكني أعني رفضهم لهذا الوضع. ويجب على الإسرائيليين أن يجدوا أخيراً الشجاعة لكي لا يردوا على ذلك العنف وأن يتمسكوا بتاريخهم: إن الإسرائيليين يتحدثون اليوم عن الانفصال وعن الطلاق مع أن الطلاق لا يكون ممكناً إلا بين أشخاص سبق أن أحبوا بعضهم بعضا. إنني أكاد أجن عندما أرى الظلم الذي يرتكبه اليهود يومياً، مما يهدد الوجود المستقبلي لإسرائيل. وعلينا أن نجد وسيلة للتعايش، وإلا فسوف نستمر في التقاتل»، ثم ذكر: «إنني متشائم بالنسبة للشرق الأوسط على المدى القصير ولكني متفائل على المدى الطويل».

انتهى الاقتباس من مقال دانييل بارنباوم، فأين هذا من خطاب الرئيس بوش أمام الكنيست الذي تجاهل كل تلك الحقائق التي يقر بها اليهود الشرفاء أنفسهم، وانجرف إلى مديح تجاهل فيه كل ما يصيب الفلسطينيين يومياً من ظلم وعدوان على يد من صورهم على أنهم ملائكة يتحلون بكل الفضائل.

وعندما ترك بوش إسرائيل وجاء إلى شرم الشيخ ليحضر منتدى دافوس، ألمح المقربون منه أو أبواقه أنه بعد أن شعر بالأثر السيئ لخطاب الكنيست سوف يعمل في خطابه أمام المنتدى على معالجة ما حدث، بل إن السيد وزير خارجية مصر صرح بأن الرئيس الأمريكي عندما روجع فيما قال من أباطيل وأراجيف ـ قال :«انتظروا خطابي».

ويبدو أن مبارك أدرك بحسه أو بمعلومات تلقاها أن خطاب بوش الذي تلا خطابه لن يكون إلا تكراراً لكلام سخيف بعيد عن الحقيقة فلم يحضر إلقاءه. وبالفعل جاء الخطاب الأمريكي محاولة لإعطاء دروس في الديمقراطية والإصلاح، والحرية، ضارباً المثل بالعراق وأفغانستان حيث نشرت قواته الدمار والفتنة. ولم يكتف بذلك، بل استمر في كيل المديح لإسرائيل، ومهاجمة من يقاومون احتلالها المقيت، جاعلاً من استمرار وجودها ستين عاماً أخرى المعيار الذي يقيس به أحوال الدول الأخرى حينئذ.

ولا شك أن كثيراً من القراء قد اطلعوا على ذلك الخطاب. وشتان بين حديث الإفك الذي امتلأ به خطاب الرئيس بوش، والخطاب الهادئ العميق الذي ألقاه الرئيس حسني مبارك وتعرض فيه بصراحة ووضوح للمشاكل التي تواجهها الإنسانية من جراء تصرفات الدول الكبرى التي تحرق غذاء الشعوب لتستخرج منه وقوداً تستعيض به عن البترول، والذي أدت تصرفاتها إلى ارتفاع استعاره بشكل غير مسبوق، والذي تريد بأساليب مختلفة أن تحرم أصحابه من جني ثمار هذا الارتفاع، بينما تعرض بقية الإنسانية لمخاطر المجاعة والعوز.

وتحدث الرئيس مبارك أيضاً عن حركة الإصلاح وبناء الديمقراطية التي تجري في مصر، والتي مهما كانت تحفظات البعض عليها، فإنها حققت قدراً كبيراً من حرية التعبير ـ رغم بعض العقبات التي نرجو أن تزول ـ وفتحت الباب أمام حراك سياسي يسير في الاتجاه الصحيح رغم قيود هي بالضرورة مؤقتة، وأخطاء مآلها إلى أن تصحح ما دمنا وجدنا الطريق المنشود.

ولعلي أضيف أن خطاب الرئيس مبارك أمام منتدى دافوس كان من أهم وأعمق خطاباته، وأنه أبرز بعمقه ضحالة الفكر الذي عكسه خطاب الرئيس بوش الذي لا أشك في أن من كتبوه له ربما كانوا من المتآمرين عليه وعلى صورة الولايات المتحدة التي أهالوا عليها مزيداً من الطين والطوب، وزادوا مشاعر الكراهية حتى لدى من كانوا وما زالوا يحسنون أو يريدون أن يحسنوا الظن باحتمال تغيير إيجابي تتفق فيه الأفعال والأقوال، مع ادعاءات صدعوا رؤوسنا بها عن الحرية والديمقراطية والعدل والسلام.

ثانياً: وما دمنا نتحدث عن السياسات الأمريكية، فإني أود أن أنقل ما رأى ناثان براون، وهو خبير أمريكي في شؤون الشرق الأوسط بجامعة جورج واشنطن أن يوجهه من نصائح للإدارة الأمريكية القادمة:

ـ العدول عن محاولة إعاقة اتفاق على تقاسم السلطة بين فتح وحماس.

ـ العمل على تحقيق وقف إطلاق نار واقعي بين حماس وإسرائيل عن طريق دعم الجهود المصرية.

ـ إجراء اتصالات مباشرة مع حماس عن طريق الرئيس أبو مازن (ويعلق الخبير هنا بأن تقدير تكلفة وثمار اتصال مباشر مع حماس مبالغ فيه إلى درجة كبيرة).

ـ تشجيع إقامة مؤسسات فلسطينية عوضاً عن مساندة شخصيات معينة.

ـ تشجيع ومساندة حركة إصلاح منظمة فتح.

ـ إعادة الحكم الديمقراطي الفلسطيني استناداً إلى القانون الأساسي. «الدستور»

ثالثاً: نقلت عني صحيفة مصرية غراء بقدر معقول من الدقة ملاحظات أبديتها خلال ندوة بصالون السفارة السعودية تناولت مشكلة لبنان وموضوعات أخرى. ثم عادت الجريدة فعلقت على ما ذكرت مشيرة إلى أنني عندما كنت أتولى المسؤولية لم يسبق لي الإدلاء بتصريحات قوية، بل لم أدل بتصريحات بتاتاً. وهذا أمر ينفيه الرجوع إلى صحف تلك الفترة، ويذكرني بتعليق أحد القراء الذي سألني لماذا لم تتخذ تلك المواقف عندما كنت وزيراً، وكان ردي أن المسؤول يجب أن يتحدث ببعض التحفظ، ولكني أبداً لم أناقض في أي وقت ما أؤمن به إلا أن وسيلة التعبير وربما حدته هي التي اختلفت بطبيعة الحال. أما ما ذكرته الجريدة من أنني بررت أحياناً سياسات إسرائيل، فهو قول بعيد عن الحقيقة والواقع، والأغرب أن الصحيفة التي أحترمها أرجعت ما ادعته إلى ما سمته «اعتداء الفلسطينيين عليّ في المسجد الأقصى»، وهي واقعة سبق أن شرحت حقيقتها حتى مللت، وهذه الحقيقة هي أنه لم يحدث أي اعتداء مادي عليّ داخل المسجد الأقصى، بل إن هناك شخصين أو ثلاثة هتفوا ضدي دون محاولة للاعتداء، وأن ما أصابني بعد ذلك هو إعياء من تدافع من حاولوا إخراجي من المسجد خشية حدوث ما تصوروا أنه احتمال اعتداء، ومن كانوا يريدون مني أن استمر في أداء شعائر الصلاة.