الحرارة (!!).. ما ذبحني غير الحرارة

TT

قال لي أحدهم وكأنه ينصحني أو بمعنى أصح (يقرّعني) ـ ومعاه الحق ـ

ـ إنك يا مشعل (ضايع ومضيّع نفسك)، فوق، فوق يا رجل.

ـ والله إنني فايق ورايق، حتى شوف عيوني كيف هي مبحلقة دون أن ترمش.

ـ لا تهمني عيونك ولا حتى (نظّاراتك)، حياتك أنت كلها زفت × زفت.

ـ لا حول ولا قوة إلاّ بالله، ماذا تريدني أن أكون: (هرقل) مثلاً، أم (جنكيز خان)، أم (الفس برسلي)، أم (كريستيان رونالدو)، أم (شعبان عبد الرحيم)؟!

ـ لا، لا أبداً، فأنت لن تصل حتى ولا عشر معشار أي واحد منهم، لكن على الأقل (احترم نفسك) يا رجل، واجعل لك قيمة في الحياة تفتخر بها بين الناس، عيب عليك، فوق فوق.

ـ معك حق يا عزيزي، مشكلتي الوحيدة في هذه الحياة هي (القيمة)، والله ثم والله إنني إلى هذه اللحظة لم أعرف ولم أدرك ولم أصل إلى هذه (القيمة)، لكن أرجوك أعطني على الأقل فرصة لكي استرد أنفاسي.

ـ استرد يا أخي ثم جاوبني بصراحة.

ـ الآن استرددتها تقريباً، وأقول لك: إنني إنسان متوسط الحال في كل شيء ما عدا (القلب)، إنني متوسط بالذكاء، والطموح، والأخلاق، والطاقة، والثقافة، والحضور، قلبي، قلبي فقط هو الذي (كالترمومتر) الزئبقي الطالع والنازل الذي لا يستقر على علامة ثابتة، ما أكثر ما أتعبني وأرهقني وفجعني ذلك القلب المتيّم بالحياة بكل ما فيها من إغراءات وموبقات، هل تصدقني لو قلت لك: إنني وددت أحياناً لو أنني انتزعته من داخل صدري ورميته للكلاب المغلوثة؟!

ـ نعم، أصدقك، وهذا هو عين العقل لو أنك فعلته.

ـ أعاهدك بالله أنني سوف أفعل ذلك، لكن أمهلني فقط أسبوعاً واحداً على الأقل، بعد أن (أشطح) به، (ويشطح) بي هو كذلك، ويجرفنا التيار دون أن نعي، إلى تهلكة الغرام العنيف، الذي يتحول فيه الليل إلى نهار، والنهار إلى ليل، ثم نستلقي بعدها فوق بعضنا البعض من شدة التعب اللذيذ الذي لا يؤسف بعده على أي شيء كان أو يكون.

ـ إن شاء الله في جهنم.

ـ آمين.

* * *

قال لي أحدهم ـ والعهدة على الراوي ـ إن صدام حسين، قبل أن يتشهّد ويشنقوه، سألوه: هل عندك أمنية أخيرة تتمناها قبل أن تعدم؟!، فقال لهم: نعم، أتمنى أن تكون هذه عبرة لي في حياتي القادمة.

* * *

زرت أحدهم في المستشفى، وقبل أن أدخل عليه وإذا بممرضة جميلة تكاد أن تقول للقمر (قوم وأنا اجلس بدالك)، صادفتني على الباب وهي خارجة من غرفته، غمضت عيني وبدون أن أشاهدها دخلت عليه، فرحب بي قائلاً: أبشرك الحرارة خرجت من عندي.

فأجبته لا شعورياً وكأن عقلي الباطن هو الذي يتكلم نيابة عني، وقلت:

ـ أعلم ذلك، فلقد صادفتها وأنا داخل عليك، لقد لفحتني حرارتها.

[email protected]