الباشا

TT

بعد قليل على قيام الثورة المصرية بدأت في مصر والعالم العربي المؤيد لها حملة منظمة على جميع شخصيات مصر السابقة وجميع السياسيين العرب الأحياء. وكان الهدف إعادة كتابة التاريخ بدءاً من 23 يوليو، كما فعلت من قبل ثورة أكتوبر المجيدة، التي أبقت على تقليد واحد من الحكم القيصري: سيبيريا.

سخرت الصحف المصرية والعربية السخرية الموجهة من عبد الرحمن عزام، أول أمين عام للجامعة العربية. سخرت دون أن تشبع ودون أن تكتفي. وكانت أسهل التهم العمالة، فاتهمت عبد الرحمن عزام بالعمالة. وكان الرجل معروفاً بـ«عزام باشا» فسميت الجامعة جامعة عزام باشا.

من كان عبد الرحمن عزام فعلا؟ كان من أوائل، إن لم يكن أول مصري يدعو إلى القومية العربية والخروج من الشعور الفرعوني (1). وكان الرجل الأبرز والأهم في حلقة اتخذت من رئاسة تحرير «الأهرام» موقعاً لها، لكي تبشر بالقومية وتحارب النزعات الفرعونية التي كان أبرز دعاتها آنذاك الدكتور طه حسين. وجعل أسعد داغر، نائب رئيس التحرير، من مكتبه عصبة يلتقي فيها عبد الرحمن عزام ورفاقه. ولم يكن عبد الرحمن منظراً للعمل القومي، بل كان قد أمضى ما بين 1915 و1923 يناضل في ليبيا ضد الاستعمار الإيطالي. وقد ذاب ذكره في ليبيا كما غاب في مصر تمجيداً للثورات.

يروي الدكتور أحمد الشقيري، أول رئيس لمنظمة التحرير، أنه كان العام 1938 في زيارة أسعد داغر عندما دار الحديث حول مقال لطه حسين يدعو فيه إلى نبذ الوحدة العربية والتمسك بالفرعونية. وأخذ عبد الرحمن عزام يقرأ المقال في صوت عال ثم يقول:

ـ شوف الأعمى ده بيكتب إيه. ثم أضاف: لكن الحمد لله إنه أعمى، فلو قدَّر له أن يرى آثار مصر لكان هو فرعون الجديد.

وشارك عزام العام 1931 في أول مؤتمر عربي عقده الحاج أمين الحسيني في القدس.. وكان أهم خطبائه وأكثرهم شجاعة خلال معركة محاولة تعطيل المؤتمر ومنعه من الكلام.

يحاول كتاب «عزام باشا: مصري اعتنق القومية العربية»(1)، رد شيء من الاعتبار لأول أمناء الجامعة، لكنه يغطي فقط «سنوات التكوين المبكرة 1893 ـ 1936». ولعل أحداً يقوم فيما بعد برد الاعتبار إلى السنوات الأخرى. ربما تفعل الجامعة نفسها ذلك.

(1) صدر عن «دار المدى»