تجربة انتخابات مجلس الأمة الكويتي

TT

نتائج الانتخابات البرلمانية الكويتية الأخيرة، وضعت علامات استفهام حول ماذا إذا كان تكرار إجرائها (ما يزيد على عشرة منذ استقلال الكويت)، قد عزز الممارسة الديموقراطية أم أدت الى تراجع أقدم التجارب النيابية في الخليج.

غياب المرأة عن عضوية برلمان بلد تعتبر نساؤه طليعة النجاح النسائي للخليج، أمر يستحق الدراسة.

اذا كانت النساء (55%) أغلبية الناخبين (650 الف كويتي وكويتية) فهل فقدت الناخبة الكويتية الثقة في قدرة شقيقتها على تمثيلها نيابيا؟

أم أن الحاجات النسائية تذيلت قائمة اولويات الكويتيات؟

التيارات والكتل السياسية السبعة لم تقدم برامج انتخابية متكاملة تجد المرأة الكويتية في احدها ما يرضي مطالبها، ولذا فمنطق التطور البشري، كان يعني تفضيلها انتخاب مرشحه نسائية. فمن المستحيل ان يتفهم الرجل بشكل كامل، مهما اتسع افقه، احتياجات المرأة، خاصة في مجتمع لا تزال تقاليده تضع النساء في عربة «الدرجة الثانية» في قطار المواطنة؛ ولم تتعود غالبية نساء الفئات الأقل حظا من التعليم، التعبير بصراحة كاملة مع رجال الاسرة ناهيك من النائب الغريب.

من المنطقي تفضيل النساء لمرشحة مما سيمنحها فرصة لقاء ممثلتها البرلمانية في جو «حريمي آمن» يمكنها من نزع حجابيها، القماشي والمعنوي، لتحدثها بصراحة عن طموحاتها وتطلعاتها نحو تشريعات اصلاحية.

النائبات بدورهن سيناقشن احتياجات نصف عدد السكان عن دراية وخبرة مباشرة، وليس تخمينا كما يفعل النواب الرجال.

وهذه مؤشرات يتعين على التيارات الليبرالية والحركة النسائية الكويتية مواجهتها قبل فوات الاوان؛ فنتائج الانتخابات الديموقراطية احيانا ما تؤدي الى دمار الديموقراطية، وفي انتخاب ادولف هتلر وحزبه النازي عام 1933 عبرة لكل زمان ومكان.

مؤشرات كوقوع النساء تحت تأثير عوامل خارجية ـ أي خارج ما دار في الذهن النسوي على المستويين الفردي والجماعى ـ لحظة انفراد المرأة الكويتية بنفسها امام صندوق الاقتراع، وكيف عجزت عن التفكير في مصلحتها كفرد حر الارادة والاختيار. فلماذا لم تر بصيص ضوء فجر المساواة والتحرر يبزغ من شق الصندوق لتمزيق الاغلال السيكولوجية التي ربطتها، وهميا، بقسم الخضوع لتهديد معنوي بـ«الولاء» بحتمية التصويت لـ«فلان» لانتمائه العشائري أو الأسري أو العقائدي؟

أمر يستحق الدراسة لا على المستوى لانتخابي الديموقراطي فحسب، بل على مستوى التطور السيكولوجي والاجتماعي للمرأة الكويتية. المؤشر الآخر هو عدم نضج التواصل الحواري بين المرشح/المرشحة، والناخب/الناخبة، اثناء الحملة الانتخابية حيث ظل ترويج المرشح البرلماني لبضاعته حبيس «فترينة» الديوانية، ويندرج تحت بند الدعاية العمومية (لافتات؛ ولائم؛ مكبرات صوت؛ وتجمعات طابعها جماهيري هتافي). ولم يستغل اغلب المرشحين مجال حرية التعبير في الكويت، وهي الأكثر اتساعا واحتراما في الخليج، لاصطحاب الحملة الانتخابية خارج الديوانية وخيمة الوليمة والاستقبال، كما هو حال المرشحين في المجتمعات المتطورة دستوريا وديموقراطيا.

في حملات الانتخابات البرلمانية المصرية ـ قبل انقلاب يوليو 1952 ـ او في بريطانيا، ينزل المرشح لشوارع الدائرة، ويتجول مع الباعة والمستهلكين في الاسواق، يحاور التجار في محلاتهم عن مطالبهم وسائقي التاكسي عن مشاكل المرور ومضايقات البوليس؛ ويتناول الغذاء في المطعم الشعبي، ويصاحب ربات البيوت للسوبر ماركت، حاملا اطفالهن أو اكياس مشترياتهن ويناقش معهن ارتفاع الاسعار. المرشح يطرق ابواب البيوت يتحدث للاسر، وكثيرا ما يدخل المطبخ اذا صادفت زيارته اعداد ربة الاسرة العشاء. وربما لا تسمح تقاليد المجتمع الكويتي للمرشح الرجل، بدخول معظم الديار في غياب رب الاسرة؛ ولكن كم من المرشحين جرب طرق الابواب في وجود رب الاسرة؟

وكانت فرصة اكبر للمرشحة لدخول الدار لمحادثة الزوجة وربة الاسرة؛ فكم مرة جربت المرشحات ذلك؟

كما ان هناك مؤشرا على الفارق الكبير بين الطموحات التقدمية للدولة، وبين الرجعية الايديولوجية والتواء مفهوم المواطنة والانتماء عند التيارت السلفية والاسلاموية، ظهر بمنح أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الصباح المرأة حق الترشيح والانتخاب، فألغى البرلمان المرسوم ضاربا عرض الحائط بمصلحة الوطن.

فالمواطنة، كمفهوم قانوني ديموقراطي لا تزال غير واضحة المعالم، في ذهن كثير من الخليجيين.

ربما لغياب نظام ضرائبي يحدد مسؤولية الافراد وارتباطهم بالدولة القومية؛ الى جانب اعتمادهم على الدولة. فـ90% من العاملين في الكويت، توظفهم الدولة وكثير من المرشحين يطالب بانفاق فائض عائد ارتفاع اسعار البترول على دفع ديون المستهلك الكويتي، وهو ما يناقض الممارسة الديموقراطية الليبرالية البرلمانية، التي تقوى باستقلال الفرد عن الدولة، ومنعها من التدخل في خياراته، وقصر دورها على حماية حقوق الافراد وممتلكاتهم ودعم البنية التحتية واصدار القوانين التي تضمن حرية السوق والتنافس المشروع وحماية المستثمر الصغير، من مخالب الاحتكارات الكبرى.

وأصبح الاعتماد على الدولة ابويا وكأنها شيخ القبيلة. وكثيرا ما يستجوب اعضاء البرلمان الوزير او المسؤول وكأنه امام مجلس قبيلة، في امور تتناقض مع دور ومتطلبات الجهاز التنفيذي اي الحكومة.

فالناخب يستبدل المواطنة في ذهنه بالانتماء عرقيا للعشيرة او القبيلة لا قانونيا للوطن/ دولة قومية اسمها الكويت.

وقد يستبدل الانتماء العرقي بقبيلة ايديولوجية دينية (كالحركة الدستورية الاسلامية ـ الاخوان المسلمين التي خسرت نصف مقاعدها؛ او كالتحالف الاسلامي السلفي المنتمي لجمعية احياء الترث؛ او التيارات الشيعية كالاتحاد الاسلامي الوطني؛ او اتحاد السلام والعدل)؛ فالانتماء يتجاوز الدولة القومية التي لها ارض وحدود وقانون ودستور يعرف الحقوق الانتخابية، الى مفهوم معنوي غير محدد المعالم هو «الأمة الاسلامية».

فمثلا احتفال نواب يحملون الجنسية الكويتية، بتأبين ناشط حزب الله عماد مغنية، الذي خسر بعض مواطنيهم الكويتيين ارواحهم بسبب ارهابه، هو مؤشر على تشوش مفهومهم للمواطنه، انعكس في انتمائهم لكيان آخر اضربصالح وطنهم. فمفهوم ناضج للمواطنة لم يظهر الا في البرامج الانتخابية لتيارين فقط (التحالف الديموقراطي؛ وكتلة العمل) من سبعة خاضت الانتخابات، حيث عكس التياران اصلاحات سياسية ومطالب للناخبين في مجالي الاسكان والأجور.

وحتى يحل الكويتيون هذه التناقضات، سيظل هاجس تراجع المكاسب الديموقراطية لأبناء الامة الكويتية، مسيطرا على الساعين لتطوير التجربة البرلمانية الكويتية، التي لا يدل، للاسف، عمل مجلس الامة اثناء عقد كامل، على تطورها للامام، بل تراجعا عن حلم رواد استقلال الكويت قبل اكثر من اربعة عقود.