تهاوي موازين القوى

TT

لقد كان هناك قدر كبير من الجدل في هذه الحملات الانتخابية حول العدو القادم للولايات المتحدة، والذي على الرئيس المقبل أن يتفضل بالحديث عنه. والحقيقة التي ربما يكتشفها الرئيس المقبل هي أن القليل من الدول تنتظر الجديد من الولايات المتحدة. وكم يؤلمنا أن نتذكر حدوث العديد من التحولات المفاجئة في موازين القوى لغير صالح الولايات المتحدة. وأنا مقتنع تماما بأن فشل السياسة الخارجية، الذي لازم هذه الإدارة، لا يتمثل في فشلها في العراق فقط، وإنما هو في حقيقة الأمر أكبر من ذلك بكثير.

إن فشل إدارة بوش في توجيه أقوى محركات الاقتصاد العالمي، وهو الاقتصاد الأميركي، في سبيل إنتاج بديل يعتمد عليه بدلا من النفط، قد ساعد في زيادة الأسعار، واستفادة الدول المنتجة للنفط بدءا من روسيا، ومرورا بفنزويلا وانتهاء بإيران، وهذه الدول تقوم بتغيير معالم السياسة العالمية حسب منظورها.

وإذا استمر تدفق الثروات إلى هذه الدول البترولية، فلا شك أن القوة سوف تتبع الثروة. وحسب شهادة غال لوفت، وهو خبير في الطاقة، الذي أدلى بشهادته أمام الكونغرس يوم الأربعاء الماضي، فإنه بوصول أسعار البترول إلى 200 دولار للبرميل «يمكن لدول أوبك شراء بنك أميركا بعائدات شهر واحد، وشراء شركة آبل للكومبيوتر بعائدات أسبوع واحد، وشراء شركة جنرال موتورز بعائدات 3 أيام».

لكن ذلك ليس كل شيء، فقد تم نشر كتابين جديدين يصفان تحولين آخرين كبيرين في موازين القوى: «ذا بوست أميركان ورلد» وقد ألفه فريد زكريا محرر الـ«نيوزويك» الدولية، و«سوبركلاس»، الذي ألفه ديفيد روثكوبوف، وهو أستاذ زائر في منظمة «كارنيغه إنداومنت للسلام العالمي».

وتتركز وجهة نظر زكريا في أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة ما زالت تمتلك الكثير من عوامل القوة، فإن الصين والهند والبرازيل وغيرها من الدول، تعزز مكانتها لتنافس أميركا من الناحية الاقتصادية، وغيرها من النواحي الأخرى. ويقول زكريا: «إن الهند اليوم تمتلك 18 قناة إخبارية خاصة بها. وما تنقله هذه القنوات مخالف تماما لما تذيعه القنوات الإخبارية في الغرب. وكذلك ستحذو حذوها دول أخرى حيث تركز اهتمامها على بلادها في وسائل الإعلام الخاصة بها».

ويقول زكريا إن الولايات المتحدة امتلكت الكثير من المصادر الطبيعية، وكانت تعتمد على جامعاتها وأسواقها وتنوع المواهب البشرية لديها، لتعويض انخفاض معدل المدخرات أو غياب نظام الرعاية الصحية، أو أي خطة استراتيجية يمكن عن طريقها تحسين قدرتنا التنافسية.

ويقول زكريا: «لقد كان ذلك عاديا عندما كان العديد من الدول لا تنتج كثيرا». ولكن الآن، فإن الوضع قد اختلف، فالدول الأخرى تعمل بجد وتدخر وتفكر. ويقول: «لقد تعلموا الدرس منا ويلعبون اللعبة التي كنا نجيدها. فإذا لم نصلح نظامنا السياسي ونبدأ في التفكير بشكل استراتيجي حول كيفية تحسين قدرتنا التنافسية، فإن الولايات المتحدة ستعرض مصالحها للخطر مع تعاظم قدرات الدول الأخرى».

أما كتاب روثكوبوف فإنه يتناول ضعف تأثير الدول الكبرى في علاج المشكلات العالمية، ولذلك فإن هناك فجوة في القوة تظهر إلى الوجود. وغالبا ما كان يتم ملء هذه الفجوة عن طريق بعض القوى التي تعمل على المسرح العالمي وتؤثر في الناتج العالمي. ويقول روثكوبوف إن بعض القوى الجديدة تتمثل في الشركات والمؤسسات المالية، وبعض أفرادها مجرمون وإرهابيون وبعضهم يشتغلون بالإعلام أو قادة دينيون والقليل من أفراد هذه القوى مسؤولون سياسيون يمكن لهم إدراك حجم التأثير العالمي الذي يمكن أن يحدثوه.

ويقول روثكوبوف، إن على الرئيس الأميركي المقبل إدارة هذا الوضع الجديد وعليه إدارة الأفراد وشبكات العمل الجديدة التي تظهر. إن العجز المالي يضطرنا إلى الاختيار بين الرعاية الصحية العادلة والتعليم الجيد والبنية التحتية السليمة من ناحية، والإنفاق الدفاعي والعجز التجاري الذي يضطرنا إلى الاقتراض من منافسينا لدرجة محرجة نضطر فيها إلى عدم الوقوف بقوة عندما نحتاج إلى ذلك من ناحية أخرى.

إن القاعدة الأولى عندما تواجه حفرة ما، أنك إذا وقعت فيها، فعليك التوقف عن الحفر. وإذا كانت أمامك ثلاث حفر فعليك ردمها جميعا.

* خدمة «نيويورك تايمز»