نظرية «المقامرة»!

TT

مشكلة الشرق الأوسط، بتفاصيلها المختلفة، تشبه بلعبة. وكان الرئيس المصري الراحل أنور السادات يصفها بصورة أدق حينما يقول «إن 99 في المائة من أوراق اللعبة بأيدي الولايات المتحدة الأمريكية». واليوم يبدو أن وصف «اللعبة» يعود من جديد لوصف الحال بالمنطقة.

ولعل أحداث الأيام القليلة الماضية تؤكد أن هناك صفقات (ليست كالصفقات) مع الاعتذار لشاعرنا الراحل الكبير نزار قباني. فها هو اتفاق الدوحة بين الأطراف اللبنانية المتناحرة يحسم في اللحظات الأخيرة من الوقت الضائع، بعد أن دب اليأس في قلوب الكثيرين. ومع الإعلان عن اتفاق الدوحة والناس تترقب بشوق وتأثر توابع أخبار الاتفاق، اقتحمت عبارة خبر عاجل شاشات التلفزة الإخبارية المتناقلة للوقائع لتعلن عن بدء مفاوضات السلام بين إسرائيل وسورية برعاية تركية في اسطنبول، وبعدها بدأت عبارة «تسوية شاملة في الشرق الأوسط» تأخذ مكانها وسط سلسلة التحليلات السياسية التي اكتظت بها البرامج والكتابات.

شكليا يبدو من المنظر الأول لهذه التطورات أن اتفاق سلام بين سورية وإسرائيل آخذ في التشكل وهو في إطاره النهائي حاليا، فلقد تم الاتفاق على الانسحاب إلى حدود 4 حزيران 1967 مع منح إسرائيل فرصة الحصول على المياه من بحيرة طبرية، ومنع أي وجود لأجهزة رصد في هضبة الجولان وكذلك إخلائها من أي وجود عسكري بعمق معين من الكيلومترات يتم الاتفاق عليه لاحقا، ولكن هناك شروطا إسرائيلية واضحة للسوريين وأهمها وقف الدعم بكافة أشكاله لحزب الله ولحماس وللجهاد الإسلامي.

يبدو أن سورية ستقدم «حزب الله» قربانا للسلام مع إسرائيل. ومن المسائل الأخرى التي قررت سوريا التضحية بها التوافق العربي الذي تبلور وأطلق في مبادرة السلام العربية الموحدة، فهي قررت المضي وحدها في المباحثات مع إسرائيل.

رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت بحاجة لأي خبر «سعيد» يعيد إليه قطرة ما على وجهه الذي جف تماما جراء الفضائح المتراكمة والمتتالية، ولذلك فهو قد يسعى جاهدا وبكل قوة لصفقة سلام مع سورية تحدث له شعبية فورية في الشارع الإسرائيلي.

ستحكي الجدات عن أسطورة كان اسمها حزب الله. هذا الكيان المنظم الذي وجه جهده وسلاحه وتفكيره باتجاه عدو يحتل أراضي بلاده اسمه إسرائيل، ولأجل هذا الهدف التف حوله الناس ودعموا هذا التوجه بالمال والجهد والقول والعمل، ولكن شيئا ما قد حدث، شيئا ما مريبا، لقد تحولت فوهة البندقية من بوابة فاطمة على حدود لبنان الجنوبية صوب قلب بيروت وباتجاه مقر رئاسة الوزراء بالسراي، ولم يعد أولمرت وليفني وباراك الأعداء المقصودين، ولكن أصبح فؤاد السنيورة وأحمد فتفت وخالد قباني وغيرهم من أعضاء الحكومة يحتلون هذه الأماكن.

والآن ها هو حزب الله، وهو الحركة السياسية الوحيدة التي يسمح لها بالاحتفاظ بترسانة سلاحها، يركب موجة الدعوة النقابية لعمال لبنان ليحولها لوسيلة إثارة شغب وتمزيق وفتنة شعبية.

حزب الله بات هو المعادلة الأصعب في لبنان ورمز وأيقونة «العلاقة المريبة مع الخارج».

في نهاية المطاف وفي كشف الحساب السياسي لا يمكن إغفال أو إنكار المحصلة النهائية: كم انتكست الأوضاع الداخلية في لبنان وازداد انشقاق الصفوف منذ أن أدار حزب الله فوهة بنادقه ووجهها إلى الداخل اللبناني؟ حينما ترتفع أعلام الأرز في مناطق الجنوب وترفع صور بشارة الخوري ورياض الصلح رائدي الاستقلال بدلا من صور «الغرباء» المتناثرة. فهناك خيط رفيع ولكنه واضح بين الانتماء الوطني والانكفاء على الخارج وحزب الله باختياره البديل الثاني أضاع فرصة عظيمة لصناعة تاريخ استثنائي.

[email protected]