السياسة تفتح الباب للظرفاء

TT

من مساوئ السخرية السياسية العربية التعرض للمسؤولين والساسة عن طريق التعرض لحياتهم الخاصة. وهو في الواقع ما نسمعه باستمرار في ممارسات الشتم الشخصي، وهو ما لم يسلم منه حتى المتنبي عندما هجا ضبة العتبي بالتعرض لشرف أمه. وفي العصر الحديث عمد الظرفاء الساخرون إلى حبك النكات السياسية عن هذا الطريق. وهو ما فعله بيرم التونسي في التعرض لملك مصر. مما ينبغي ملاحظته في هذا الصدد، أن أي أحد من الظرفاء لم يجرؤ على التعرض للرئيس عبد الناصر من هذا الطريق المشين، رغم كل النكات والتقليعات التي رووها عنه. وهذا مؤشر بدون شك إلى مدى الاحترام والتقدير الذي كنه القوم له في قلوبهم.

وبالطبع تحاشى سائر مؤرخي النكتة السياسية العربية الخوض في هذا المستنقع، وهو ما سيفعله هذا الكاتب أيضا.

بوفاة رائد القومية العربية، وارتقاء أنور السادات لدست الحكم، انفتح الطريق للمنكتين ليقولوا ما يقولون. صدق ذلك بصورة خاصة على مرحلة الركود التي سبقت حرب عبور القناة وتحرير سيناء. لاحظ الظرفاء ذلك الركود والجمود فقالوا إن أم كلثوم وعبد الحليم حافظ ونجوى فؤاد وأنور السادات ذهبوا لحضور حفلة كبيرة. بالطبع لم يأت أي منهم ببطاقة دعوة. فطلب البواب منهم إثبات هويتهم ودعوتهم. قالت سيدة الطرب العربي أنا أم كلثوم. قال لها اثبتي ذلك. فغنت له قفلا من البردة. قال نعم. هذا يكفي. أنت أم كلثوم، تفضلي. جاء دور عبد الحليم حافظ ففعل مثلها وغنى «ظلموني». فقال له، أيوه. ده انت لازم تكون عبد الحليم حافظ، تفضل. جاء دور نجوى فؤاد. قال لها اثبتي أنك كده. فرقصت أمامه، فقال، أيوه. انت لازم تكونين نجوى فؤاد. مفيش مصرية ترقص زيك. تفضلي. أخيرا جاء دور أنور السادات. قال له: اعمل حاجة تثبت انك أنور السادات. فحك سيادة الرئيس رأسه مفكرا وقال: اعمل إيه؟. فقال له البواب، «آه. ده انت صحيح لازم تكون أنور السادات».

حاول الرئيس السادات أن يحترم التراث الناصري ويدعي مرارا بأن حكمه استمرار للناصرية الاشتراكية، ولكنه في الواقع كان يحفر تحتها ويقلم أظفارها شيئا فشيئا. وصل بسيارته إلى مفترق طرق، فسأله السائق، يا سيادة الرئيس امشي من فين؟ أروح عاليسار أو عاليمين؟ فسأله السادات، لو كان صديقي عبد الناصر الله يرحمه هنا، كان يأمرك تمشي بأي اتجاه؟ أجابه السائق، مفيش سؤال. كان يأمرني أفوت عاليسار طوالي. فقال السادات: «طب خلاص، حط الإشارة عاليسار وفوت عاليمين!».