«أرامكو» البقرة المقدسة

TT

إنها أكبر شركة بترول في العالم، وهي أيضا أكبر سر سعودي. فالقليل معروف عن «أرامكو» رغم بلوغها سن الخامسة والسبعين. فهي من جانب نجحت في اداء وظيفتها الاساسية انتاج وبيع النفط، التي لا ترتبط بالجمهور، ومن جانب آخر بقيت مؤسسة مجهولة رغم ضخامتها.

ومن الطبيعي ان يكون نجاحها وراء عدم تغيير الشركة العملاقة، فإذا كانت تعمل جيدا لماذا نريد كسرها؟

الحقيقة، المطلوب تطوير «ارامكو» كشركة، وليس كسرها. مطلب طبيعي الذي ربما تأخر عن موعده 18 عاما.

ففي عام 1980 صارت شركة مملوكة بالكامل للحكومة السعودية وخرج منها كل حملة الأسهم الأمريكيون، وتولى ادارتها سعوديون. وقد تم طرد الأميركيين منها، مالا وادارة وأغلبية موظفين، في انقلاب بلا ضجيج بدأ منذ عام 1970 واستمر في مفاوضات بطيئة حتى استسلم الطرف الثاني ورحل. ولم توزع الحكومة الحلوى يوم امتلكت الشركة بالكامل، ولم تصدر بيانا بالانتصار على الملاك الاميركيين عندما غادروا، بخلاف كل الدول التي أممت شركات النفط الأجنبية التي وضعته يوما تاريخيا سيرت فيه الاحتفالات والاستعراضات العسكرية.

بعد نحو عقدين كبرت «ارامكو» والحقت بها مهام كثيرة، في نفس الوقت الذي تبنت فيه الدولة سياسة تشجيع القطاع الخاص، وطرحت العديد من شركاتها وممتلكاتها في السوق. كل العالم تغير الا «ارامكو»، التي توسعت نشاطاتها لسبب واحد فقط، قدرة الشركة على تقديم اعمال جيدة، وهذا هو المبرر الوحيد. ورغم جودة «ارامكو» المشهودة الا انه من صالحها، وصالح الاقتصاد الوطني، ان يعاد النظر في هيكل هذه الشركة العملاقة بحيث تحول الى شركات عملاقة، سواء بقيت في حضن الدولة او بيعت جزئيا في السوق. فالسعودية هي الاكبر سوقا اقتصاديا في العالم العربي، مع هذا عدد شركاتها العملاقة قليل مثل «ارامكو» و«سابك»، ولا يمكن تطوير الاقتصاد والصناعة من دون تشجيع الصناعات المرتبطة بالنفط، بما فيها «ارامكو»، على التعدد والتنافس وتوسيع السوق.

والسبب الذي جعل «ارامكو» بقرة مقدسة لا يجوز الحديث عنها، أو لمسها، انها تعتبر المصدر المالي شبه الوحيد لنحو 26 مليون انسان في السعودية، كون النفط مصدر الرزق العام. الحقيقة ان اهمية «ارامكو» انها تملك رخصة اكبر بحيرة نفط في العالم، فقط.

اعادة النظر في تركيبة «ارامكو» كشركة ضخمة هو للصالح العام، وفي صالح شركة الزيت هذه على المدى الطويل. فهي ايضا اكبر شركة احتكارية في العالم، كونها مكلفة الاكتشاف والتنقيب والحفر والمصافي والتوزيع، وحتى الشحن البحري. والدليل على خطأ الاحتكار الكامل الشامل ان «ارامكو» تحظر استخدام شركة النقل البحري رغم انها سعودية. وبالتالي كيف يمكن تطوير أي صناعة اذا كانت «ارامكو» تغلق ابوابها وتحتكر معظم خدماتها مستمتعة بأكثر من طائرة و45 هيلوكبترا أخرى. ومن الطبيعي لشركة قيمتها المالية كما تقول «فايننشال تايمر» اكثر من سبعمائة مليار دولار، ان تستفيد من كل امكانياتها. وانا اعرف ان مسؤولي «ارامكو» سيردون بتقديم لائحة بأسماء الشركات السعودية التي يتعاملون معها، وهذه مجرد عقود لا تعني منح خدمات او صناعات كاملة وبشكل مستقل بحيث تثري السوق وتحفز المنافسة.

وعلى «ارامكو» ان تدرك انها عاشت قلعة محمية، لكن الانظمة والقوانين الدولية لن تقبل باحتكارها كل شيء، كما ان السوق المحلية نفسها لن تقبل ذلك.

[email protected]