قصر العبر والدروس

TT

منذ العهد الاستقلالي الأول كانت رئاسة الجمهورية هي المشكلة أو هي ذريعة المشاكل في لبنان. وقد كتب الشيخ بشارة الخوري في مذكراته أن عدداً كبيراً من النواب طلبوا منه التجديد «ولا يرفض مثل هذا الأمر إلا نبي أو ملاك، ولست نبياً ولا ملاكاً». الحقيقة أنه كان يمكن أن يرفض التجديد أيضاً رجل عاقل، يضع في حساباته مصلحة الوطن والناس. وقد أخرج بشارة الخوري بالبيض الفاسد إلى عزلة مدى الحياة، بعدما كان أحد أهم وأعقل الشخصيات السياسية.

وجاء بعده كميل شمعون «رئيس الازدهار» و«فتى العروبة الأغر». وسعى سرا إلى التجديد فخرج من القصر الجمهوري بالسلاح. وخلفه فؤاد شهاب فأراد التجديد لكنه أدرك مدى خطورته فتراجع.

وجاء شارل حلو وكان عهد حريات وقلق. وجاء سليمان فرنجية فأرغمته الحرب على أن يختصر عهده عاماً. وجاء الياس سركيس فرفض البقاء يوماً واحداً أو ساعة واحدة بعد نهاية الولاية. وجاء بشير الجميل فاغتيل قبل أن يؤدي اليمين. وجاء أمين الجميل فسلم الأمور في آخر يوم إلى الجنرال ميشال عون رئيساً لحكومة موقتة. ولم يترك عون القصر الجمهوري بعد انتخاب الرئيس رينه معوض إلا بقوة قاذفات السوخوي السورية. واغتيل رينه معوض وهو ذاهب إلى احتفالات الاستقلال. أو عائد منها. وجاء الرئيس الياس الهراوي الذي مدد له ثلاث سنوات في مناخ سياسي مؤات. وجاء الجنرال إميل لحود في شبه إجماع. وعندما مدد لنفسه أدرك الناس أن البلد ذاهب إلى كارثة. فالإجماع الذي جاء به تحول إلى إكراه. وقد نصحه عقلاء ممن حوله ونصحوا دمشق بأن التمديد سوف ينعكس عليه وعلى العلاقة السورية ـ اللبنانية.

عندما انتهت الفترة الممددة للجنرال لحود كان لبنان غارقاً في الدم والخراب. وتغير وجه لبنان السياسي. وانقلب عدد كبير من مؤيدي سورية ضدها. وتبدلت التحالفات السياسية على نحو جذري. وقف الياس الهراوي على باب قصر بعبدا الخارجي يستقبل إميل لحود وأمامه قالب حلوى عليه علم لبنان. وترك إميل لحود القصر فارغاً بلا أضواء. والآن تعود الأنوار من جديد. وأمام العماد سليمان تواريخ 11 رئيساً يستطيع بحكمته وأخلاقه أن يستخلص منها العبر.