ابن أمه

TT

افترضوا اننا اخترنا مائة شخصية مرموقة من رجال العالم البارزين وسألنا كلاً منهم على حدة عن اسباب نجاحه فماذا يمكن ان نكتشف؟

هذا السؤال الافتراضي لم يعد افتراضيا بعد ان طرحته احدى المجلات الشهرية المعروفة وهي مجلة «كلاس» على مائة رجل كان من بينهم الامير تشارلز، ولي عهد بريطانيا وجورج بوش، الرئيس الامريكي، وسيلفيو بيرلسكوني، رئيس وزراء ايطاليا. سبعون من المشتركين قالوا انه لولا دعم الامهات لما نجحوا.

حين قرأت هذه المعلومة تمثل كل منهم في خيالي مع امه، فتصورت الملكة اليزابيث وقد عقدت ما بين حاجبيها ضيقا بتصرفات تشارلز واخذت تشير اليه بسبابتها ولسان حالها يقول: اعتدل والا.. اما جورج بوش فكان نصيبه في مخيلتي قرصة اذن قوية من السيدة باربرا ذات الشعر الابيض لأنه خاض حربا في العراق لم يكن لها مبرر مشروع. وبخصوص سيلفيو فتصورته محروما من اطباق الباستا اللذيذه اسبوعا كاملا لأن امه اكتشفت ان له علاقات غير سوية مع النساء.

هذا هو الجانب الخفيف من الموضوع. اما الجانب الذي اثار دهشتي حقا فهو اوجه الشبه بين المجتمع الايطالي وبعض قطاعات من المجتمع العربي عامة. هذا الشبه يختص بعمق الصلة العاطفية بين الابن وامه. في ايطاليا احتج وزير الاقتصاد على ميل الشباب الايطالي للبقاء الى جوار الامهات بدلا من الاستقلال في المعيشة والبحث عن وظائف تساهم في تشغيل عجلة الاقتصاد. ولم يكتف الوزير بالاحتجاج، بل اصدر قرارا باعفاءات ضريبية لتشجيع الشباب على ترك حضن الامهات. غير ان القرار لم يرق للشعب الايطالي الذي قال ان الابن قد يظل في نظر الام الايطالية صبيا مدى الحياة، ولكن هذا الجانب السلبي هو ايضا جزء من استقرار المجتمع القائم على متانة العلاقات الاسرية، وانه لا عيب في ان يبقى الابن في حضن امه حتى يتزوج.

الى هنا والكلام جميل ومعقول الى ان تلقفه البروفيسور روبرتو فينشينزي استاذ علم النفس العلاجي بجامعة جنوا وحلله وقدم له تفسيرا.

يقول البروفيسور ان الشاب الايطالي هو حقا: «ابن امه» لأن الظاهرة لها جذور في التاريخ الاجتماعي. تاريخيا وقبل ان تسمح الكنيسة الكاثوليكية للنساء بالطلاق من ازواج ظلمة، كانت المرأة المظلومة تصب كل عاطفتها على اولادها. تدريجيا اصبح الابن بديلا للزوج العاق. .فالابن يستجيب لحنان أمه ويستعذبه، ويأتمر بأمرها وهي تلبي احتياجاته وكأنها تبتهل في محراب مقدس، وتغفر له كل هفوة ولا ترى من عيوبه الا القليل.

ويقول البروفيسور انه لا يجد في ذلك شبهة مرضية الا اذا اصبحت العلاقة تملكية ومعوقة للتطور والنضج. والسؤال الذي يجب ان يطرح هو: هل من العدل ان تتنازل هذه الام عن الولد؟ هل يمكن لوظيفة ان تشغله؟ لامرأة اخرى ان تحل محلها من دون ان تلغي كل احتياجاتها كزوجة؟

اطرف الدراسات هي التي كشفت عن ظاهرة أخرى لا تختلف عن نظيرتها في العالم العربي. فقد كشفت إحدى الدراسات ان الاباء والامهات في ايطاليا يقدمون لاولادهم عمدا او بغير عمد مغريات مادية تبقيهم في بيت الاسرة، لا لسبب سوى ان الحياة من دون الاولاد تفتقر الى الدفء والحركة والاحساس بأن دور الابوين مستمر ما دام احتياج الاولاد لهما مستمرا ايضا.