باسم الوحدة الوطنية

TT

يتصالح اللبنانيون عادة بعد مائة الف قتيل. او مائتين. خمسة آلاف هو الحد الادنى المقبول. هذه المرة مائة فقيد على الاكثر. وبضعة بيوت محترقة. ولا موجات تهجير او هجرة. ولا طوابير امام القنصليات. يا لها من نعمة. اضرار محدودة وجنازات معدودة. ثم هلموا بنا الى الدوحة، ملتقى المشارق والمغارب.

ذهبوا عابسين، متجهمين، قطوبين، مكشرين، مكفهرين، كلوحين، متخاصمين، متباعدين، وعادوا ما أحلى الرجوع إليه. كأن شيئاً لم يكن. كأن حرباً لم تقع. كأن خراباً ما كان خراباً. يحدث هذا مرة كل عقد، تقريباً. او كل عقدين. ينزل البلد البرلماني الديمقراطي الحضاري، بلد المثقفين والشعراء وعاصمة النشر العربي ومقر الاونيسكو، ينزل الى الشارع، ومعه الكلاشنيكوفات وقذائف ار بي جي ومدافع الهاون، ويأخذ الاخوان والاشقاء في التراشق، بكل حنان ومحبة، دفاعاً عن التوافق والوحدة الوطنية وعدالة المشاركة في الحكم واقامة دولة القانون.

يهيئ لذلك عادة، في بلد الفكر والشعر والأدب وما كتبه شوقي وما غناه عبد الوهاب، بالتراشق بالأوصاف: واوية (ثعالب) سقايات (سحالي) صهاينة (لا شرح) عملاء. خونة. لصوص. ويتهم كل فريق الفريق الآخر بأنه لا يريد الوحدة الوطنية ويعمل من اجل التقسيم ولا يريد السلام والطمأنينة لهذا الشعب القليل الاحساس والقليل الذوق الذي لا يزال متمسكاً بالبقاء في ارضه وبلده بدل اللحاق بمليون انسان على الاقل هاجروا في السنوات العشر الاخيرة.

لا اعرف شعبا مغلوباً على امره مثل هذا الشعب. ولا اعرف شعباً محروماً من حب سياسييه مثل هذا الشعب. ولا اعرف بلداً آخر ينتقل فيه جميع سياسييه الى عاصمة اخرى لكي يبحثوا، في وقاحة وغلاظة معلنة، في حصة كل فريق من مقاعد الحكومة ومقاعد مجلس النواب ومناصب الدولة.

هذا هو البلد الذي يفاخر بأنه، على صغر حجمه، فيه اعتق جامعات الشرق وأهمها. وفيه اعتق صحافة عربية. ومنه هاجر الكاتب الاكثر مبيعاً في التاريخ. ومنه مهاجر انقذ صناعة الساعات في... سويسرا. وآخر انقذ صناعة السيارات في فرنسا وفي اليابان. ومنه خليفة امير الشعراء. وفيه يقتل الحضاريون الناس على الهوية. او حتى دون حاجة اليها.