كيف فشل العرب في بيت لحم؟

TT

فشلت السلطة الفلسطينية الاسبوع الماضي في استدراج اهتمام الحكومات والمؤسسات الاقتصادية العربية الكبرى لمساعدتها في تطوير اقتصادها، حيث يبدو ألا أحد مستعدا لاعتبار فلسطين أكثر من قضية نزاع سياسي مع اسرائيل. وثبت من فشل المؤتمر أن الفلسطينيين لن يحصلوا على دعم عربي إلا إذا وقعت قذيفة إسرائيلية على فندق المؤتمر في الانتركونتننتال وصور التلفزيون الفلسطينيين بين جثث وجرحى ودماء وصراخ. لا مساعدات بلا فواجع، هذا هو المحرك العاطفي الوحيد، أما المحرك العقلي لمواجهة الاحتلال، أو دعم الصمود، أو مساعدة الإنسان في حياته اليومية، أو الاستثمار من أجل المستقبل في الأرض المحتلة فهو أمر خارج التفكير العربي تماما.

نحن نشتكي كثيرا من أن إيران تطعم الفلسطينيين الصواريخ والمتفجرات وتنفق بكرم على المتطرفين والمشاريع السياسية التخريبية لأغراضها الخاصة، لكن ما الذي نحن نقدمه للطرف الفلسطيني الآخر؟ عمليا القليل جدا. وليس جديدا أن نقول إن دعم الحق الفلسطيني ليس مجرد خطب وخطابات ومؤتمرات، بل دعم الأرض نفسها والجالسين فيها، دعم لا يعتمد على تقديم الخبز والرز والأدوية، بل أيضا أفكار تنموية جديدة تساعد آلاف الفلسطينيين على البقاء، مواجهة لمشاريع المحتل الإسرائيلي والمتطرف العربي.

جربت الحكومة الفلسطينية الاسبوع الماضي فكرة الخروج من صورتها المعروفة منذ سبعين عاما، أرض محتلة ومهاجرون في مخيمات وقوات احتلال. عقدت مؤتمرا كبيرا نسبيا في ظروف صعبة وقاسية. ومعظم الذين حضروا، كما ان معظم المشاريع التي قدمت، جاءت من الغربيين الذين نتهمهم بمحاباة اسرائيل. الجانب العربي قام بتعليب المساعدات الموعودة سابقا وسماها مشاريع عقارية. فشل العرب في مساندة الفلسطينيين في أسهل القضايا، واستمروا في البكاء عليهم. كل ما طلبه المخططون الحكوميون دعم صناعات وخدمات ومشاريع اقتصادية، تقوم بتوظيف نحو خمسين ألف فلسطيني، حتى لو كانت هذه المشاريع قروضا ان بخل العرب في تقديمها هبات ومنحا مجانية. فجاء معظم ما طرح مشاريع مساكن للفلسطينيين، وهو أمر تشكر عليه الحكومات والمؤسسات الداعمة، لكن ما قيمة إسكان الفلسطينيين بلا اقتصاد متحرك؟ من ذا الذي سيشتريها، وكيف سيمضي نهاره؟

اعتقد ان هناك الكثير من الصناعات التي يمكن ان تقوم المؤسسات العربية بدعمها تستطيع الوقوف على قدميها بشكل ذاتي لاحقا، وتوظف آلاف الفلسطينيين، وتساعد الإنسان هناك على الصمود على أرضه، وتغنيهم عن طلب المساعدات.

أعرف أن رئيس الوزراء الفلسطيني تحدى المشككين، وأقام المؤتمر في بيت لحم وليس في عمان او جدة او دبي، معتقدا ان العالم سيتفهم ان حاجة الفلسطينيين لا تقل عن حاجة اي دولة أخرى منكوبة في العالم. وحرص على ان يحيط المؤتمرين بالمناخ المريح بحراسات كثيفة وفي قاعات فندق الانتركونتننتال المكيفة وسط سخرية كثافة من الصحافيين الاسرائيليين، الذين لم يكفوا عن توجيه الاسئلة كيف يمكن ان يوجد استثمار في ظل الحرب والجدار؟

طبعا مع الإسرائيليين كل الحق في ان يشككوا في الاستثمار لأنهم يعرفون أن خيار المستثمر الصحيح أن يبني فندقا على شاطئ تل أبيب وسيحق أرباحا مجزية على أن يبني شركة زراعية في الضفة الغربية. لكن الاستثمار في فلسطين هدفه إنساني بالدرجة الأولى، وسياسي ايضا. ولو ان جموع العرب دفعت ثمن تذاكر الفرجة على المأساة الفلسطينية خلال الستين سنة الماضية، كما تدفع لمشاهدة أفلام الرعب والفكاهة او استئجار الفيديو، ربما ما كان الرئيس محمود عباس في حاجة الى مؤتمر لدعم الاستثمار.

[email protected]