لبنان وإيران والوساطة التركية في الجولان

TT

هل كان للانفجار الأمني الأخير في لبنان علاقة بموضوع الوساطة التركية المعلنة بين سورية وإسرائيل حول الجولان والذي كشفت عنه تل أبيب مؤخرا مسببة الإحراج لأنقرة ودمشق على السواء؟

هل أزعج دخول تركيا على خط هذه الوساطة البعض من الذين يبنون حساباتهم على استمرار مثل هذه الصراعات؟ ومن سيكون المتضرر الأول من اية تسوية للنزاع بين دمشق وتل أبيب وحالة اللاسلم واللاحرب القائمة منذ سنوات طويلة؟ كيف ستكون صورة الوضع وتركيبة التحالفات الاقليمية الجديدة على ضوء المصالحة العادلة المحقة بين سورية وإسرائيل؟

أسئلة كثيرة تستحق الى جانب العشرات من الاستفسارات أن نتوقف عندها بجدية ودقة قبل اعطاء الردود عليها لكننا قد نكتفي هنا بالتعامل مع سؤال واحد من هو المستفيد الأكبر من موضوع التفجير في لبنان علنا بذلك ننجح في اعادة رسم الصورة واكتشاف أبعاد ما يجري ويدور منذ أشهر في المنطقة لناحية رغبة البعض بإلحاح تعقيد الأمور وتفجير الوضع الإقليمي على حساب حماية مصالحه ونفوذه.

كان يكفي قبل أيام مثلا الاستفسار من رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عن رأيه وهو يتابع أمام أجهزة التلفزة العالمية عمليات استبدال صور الرئيس الشهيد رفيق الحريري بأخرى للرئيس السوري بشار الاسد خلال اقتحام مراكز ومؤسسات «المستقبل» في بيروت من قبل مقاتلي حزب الله. وأردوغان الذي لم يحظ بعد بفرصة قراءة تفاصيل مواد الدستور اللبناني الذي اهداه الرئيس نبيه بري نسخة منه في لقائهما الاخير في بيروت وهو الدستور الذي ساهمت فرنسا في صنعه ليكون خشبة خلاص للبنانيين من حكم الأتراك على طريق التحرر والديمقراطية وبناء الدولة الحديثة لن يتراجع برأينا ولو خطوة واحدة عن قرار بلاده الوقوف الى جانب اللبنانيين في ظروفهم الصعبة هذه حيث كانت البداية مع المساهمة في ارسال قوات تركية الى جنوب لبنان قبل عامين رغم الانتقادات العنيفة التي تعرضت لها حكومته في الداخل والخارج.

أكثر ما يقلق رئيس الوزراء التركي هو معرفة اذا كان ما يجري ويدور على الأرض اللبنانية له علاقة مباشرة بمحاولة الرد الايراني على ما تصفه طهران بمشاريع العزل والاستفراد الاقليمي والعمل على اضعاف خط المواجهة الذي يجمعها مع سورية وحزب الله وحركة حماس الفلسطينية وأن تكون وساطة أنقرة حلقة ضمن هذا المخطط الذي أعلن حزب الله أنه تصدى له وأسقطه من خلال الهيمنة على بيروت الغربية.

ما يقلق أردوغان هو بالتحديد تداخل مقولة توجيه السلاح نحو الداخل اللبناني بهدف اسقاط المشروع الاميركي ـ الاسرائيلي هناك وما يردد عن غضب طهران بسبب عدم الرجوع اليها وأخذ رأيها في الوساطة التركية حول الجولان فكان ردها السريع في لبنان في محاولة لتوجيه رسالة مكشوفة وعلنية الى كل من يستخف بقدراتها وطاقاتها ومصالحها الآخذة في التوسع والانتشار.

أغضبت طروحات اسرائيل المائية حكومة العدالة والتنمية بسبب اصرارها على أن تكون المياه التركية جسر العبور وصلة الوصل على طريق السلام السوري ـ الاسرائيلي لكن اعلان أن بين أسباب التصعيد الأمني الأخير على الأراضي اللبنانية محاولة ايرانية للرد على تركيا والتمسك ايرانيا بخيوط اللعبة الاقليمية التي يحاول البعض قلب المعادلات فيها لصالحه على حساب طهران ونفوذها يقلق أنقرة التي تشعر اليوم أنها تركت وحيدة في ساحة المواجهة.

اتصالات القيادات اللبنانية برئيس الوزراء التركي عشية انفجار الوضع في بيروت ومطالبة أنقرة بالتوسط لدى الفرقاء المحليين والإقليميين مستخدمة نفوذها وعلاقاتها المتوازنة مع الكثيرين من أجل وقف التدهور يفسر في تركيا على أنه رسالة يحاول توجيهها البعض الى أنقرة للتنبه الى ضرورة تجاوز العقبة اللبنانية التي أصبحت مرتبطة مباشرة بأكثر من موضوع وقضية إقليمية قبل التطلع نحو الجولان ومحاولات اعادته الى سورية.

دخول تركيا على هذا النحو من الاندفاع والزخم أزعج البعض الذي اتهمها بدوس اصابع الأقدام وتهديد المصالح لأنها تتوغل في العمق وتقيم علاقات تعرض حسابات الكثيرين للاهتزاز والسقوط حتى ولو كان ذلك دون قصد. من هنا تصر أنقرة على معرفة حقيقة الموقف السوري حيال ما يجري ويدور وهي هنا تريد الاستماع الى غير ما تردده دمشق حول أن ما يجري هو شأن داخلي لبناني بحت. أنقرة تريد أن تعرف اذا ما كانت سورية ستتخلى عن طلب الوساطة التركية أم أنها ستطلق مفاجأة تصدم الجميع الصديق قبل العدو من خلال القفز الى الأمام لرد الجميل بأحسن منه. ترى هل يكون اعلان دمشق أن موقفها حيال ما يجري في لبنان يعني اساسا تكرار التزامها بالوساطة التركية ورفضها لسياسة التصعيد في لبنان واستعدادها بالتالي لمراجعة ملف علاقاتها مع طهران اذا ما وجدت ضرورة في ذلك حتى ولو كان الثمن محاولات البعض تذكير دمشق بأن موضوع سلامها مع اسرائيل لم يعد شأنا سورياً داخلياً بحتاً وأن القرار السوري حيال هذا الملف ينبغي أن يراعي حسابات الشركاء والحلفاء المحليين والإقليميين.

أيام قليلة ونعرف اذا ما كانت شروط اسرائيل المعلنة والتي يتقدمها موضوع قطع العلاقات مع ايران وإغلاق مكاتب حماس وحزب الله في دمشق قبل الجلوس الى طاولة الحوار ستقود الى أزمة سياسية بين دمشق وطهران لا تريد أنقرة طبعا أن تدفع هي الثمن على هذا النحو المجحف؟

تصريحات وزير الخارجية التركي علي باباجان حول أن مسألة الوساطة التركية ليست موضوع الساعة وأن مسارا طويلا وشاقا ينتظر الجميع لم تطمئن الخائفين على الانعكاسات السلبية التي قد تسببها هذه الوساطة على مصالحهم وسياساتهم خصوصا الجانب الايراني الذي يصر على أن احدا ما يحاول خداعه رغم معرفته الكاملة أنه لن يكون تركيا التي غامرت بالوقوف أمام بركان دائم الجهوزية للانفجار استجابة لطلب مساعدة جيرانها على الخروج من محنهم.

* كاتب وأكاديمي تركي