رشوة أولمرت.. والراشون العرب

TT

غبار الأزمة اللبنانية حجب أهمية خبر تحقيق الشرطة الإسرائيلية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت بتهمة تلقي رشاوى، وأنا لا أقصد بإبراز الخبر هنا التشفي بالإسرائيليين وبفساد زعمائهم، بل على العكس، فالناس تحسد هذا الكيان العجيب الذي لا يتردد في محاسبة المسؤولين صغارا وكبارا على تهم الفساد، لقد اتهم الإسرائيليون زعيمهم أولمرت بتلقي رشوة مائة ألف دولار، وهذا المبلغ في عرف الرشاوى العربية نكتة، يستلقي أصغر الراشين العرب على قفاه ضحكا على تفاهتها.

قوة الإسرائيليين وتفوقهم ليس بسبب ترسانتهم العسكرية الرهيبة، بل هذا التفوق العسكري جاء نتيجة وليس سببا، فلولا أن لدى الإسرائيليين هذا الحس الحضاري والشفافية الواضحة في محاسبة المسؤولين وملاحقتهم قضائيا لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه في قوتهم وهيمنتهم العسكرية، فالبقاء عندهم للأصلح في رعاية المصالح الإسرائيلية العليا والأمن القومي الإسرائيلي وليذهب من يقصر أو يخون أو يرتشي أو يقبض العمولات أو يستخف بقوانين الدولة إلى جحيم الفضائح والتشهير والسمعة السيئة.

لا أظن أن أحدا نسي تقرير (فينو جراد) الشهير الذي حمل الحكومة الإسرائيلية كامل مسؤوليات إخفاقها العسكري في إلحاق هزيمة واضحة بالمقاومة اللبنانية، فلا مكان عند الإسرائيليين للإعلام المضلل الذي يحول الهزائم إلى ولائم و(عزائم)، والنكبات إلى مواكبات، كما أن الإسرائيليين الحريصين على كيانهم لم يرضوا حين كتبوا التقرير الذي يعترف بالفشل العسكري أن يكتب عليه (سري للغاية) ويسلم بسرية ويحفظ في سرية، بل نشروا ما فيه على الملأ وفي وضح النهار فقرأه قاصي الكرة الأرضية ودانيها ولم يكترثوا بسخرية الخصوم ولا بشماتة الأعداء، فمثل هذا الأسلوب هو الرادع الحقيقي لكل مسؤول عندهم أو من يطمح لأن يكون مسؤولا بأن هذا مآل وعاقبة من يفرط في مصالح الدولة ومكتسبات الوطن.

لا يوجد لدى الإسرائيليين الكليشة العربية الشهيرة (الظروف الدقيقة، والمرحلة الحساسة، وتكالب الخصوم، وشماتة الأعداء، والاستهداف) لإعفاء المسؤولين من تهم الفساد، ولا يهمهم مسار عملية السلام ولا المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، ولا تحرشات المقاومة الفلسطينية وصواريخها ولا التوتر في غزة ولا المظاهرات في الضفة، ففي الوقت التي تتوغل فيه المدرعات الإسرائيلية في الضفة والقطاع لتتصيد رموز المقاومة الفلسطينية دفاعا عن كيانهم الإسرائيلي، كانت سيارات الشرطة الإسرائيلية أيضا تتوغل في العمق الإسرائيلي لتقتحم مبنى بلدية القدس، وتحتجز عددا من وثائق إيهود أولمرت، عندما كان عمدة للمدينة ما بين 1993 و2003 بحثا عن أدلة تثبت التهم الموجهة، لا تنسوا أنه المسؤول رقم واحد في إسرائيل، والشرطة بأجهزتها وأفرادها تحت إمرته، لكن لأن أمرا قضائيا صدر إلى الشرطة، والقضاء عندهم مستقل قولا وفعلا، عندها تتلاشى حصانة المسؤول ولو كان رئيس الدولة.

تتبعوا أحوال أمم الدنيا باختلاف أحوالها وأجناسها وجنسياتها وأديانها ومذاهبها في القديم والحديث، فحيث توجد الشفافية والمحاسبة العلنية في أمة توجد الحضارة والقوة والرقي والإزدهار.

[email protected]