لماذا سكت الشاطر...؟

TT

وأخيرا سكت الشاطر، وكان سكوته متوقعا، وقبل ان تبحث معنا عن جواب لسؤال: لماذا سكت الشاطر..؟ لا بد من الاعتراف ان ذلك البرنامج كان عميقا وممتازا وشيقا، فلماذا يتوقف برنامج ناجح؟

في الحلقة الاخيرة قبل الصمت الابدي بعض المؤشرات على تلك المحنة التي تواجه البرامج الجماهيرية المحتاجة الى تفاعل بين السلطة والناس، فقد قام ذلك البرنامج الناجح على فكرة طرح مشاكل جريئة تحتاج الى حلول تتعاون فيها اكثر من جهة، وبعد خمس سنوات على اطلاقه، ازدادت المشاكل ولم تنقص، وتفاقمت الازمات من دون ان تظهر في الأفق أية حلول جذرية او مؤقتة.

لقد تحدث في الحلقة الاخيرة نقيب المحامين السابق شكيب قرطباوي، وكان رأيه ان التربية المدنية مفقودة يعني وضع المسؤولية على عاتق الشعب بدلا من ان يلوم الحكومة، وهذا الرأي صحيح جزئيا فالعرب يتوقعون من الحكومات ان تقوم بكل شيء وينسون ان عليهم مسؤوليات يجب القيام بها.

اما القاضي السابق موسى كلاس، فقد ربط كل شيء في لبنان باصلاح النظام السياسي، وهذه كلمة حق يراد بها باطل، فالعامل الذي طرد من معمله والسائق الذي خسر سيارته والمعمار الذي لا يجد الاسمنت وكل هؤلاء وغيرهم لا يستطيعون انتظار اصلاح النظام السياسي والغاء الطائفية والمذهبية حى تحل مشاكلهم الصغيرة التي لا تحتاج الى اجتماع قومي وتوافق ديني ولا الى معجزات من حجم المشي على الماء فالذي لا يجد مياه الشرب سيجد حفر البئر اسهل من التدريب على رياضة التزلج المائي في بعثة خارجية في بحيرات كندا او سويسرا.

وكانت حلقة الوداع من «الشاطر يحكي» فرصة لاكتشاف الثقافة العميقة التي تمتلكها الاعلامية ماجي فرح التي يعرفها الناس من خلال كتب الابراج والنجوم فقط، بعد ان توقف البرنامج الذي كانت تطل من خلاله على الناس ايضا لأسباب لا تختلف كثيرا عن اسباب توقف «الشاطر يحكي» فجمعية اعداء النجاح موجودة في مصر ولبنان وكل قطر عربي.

لقد قالت ماجي (لا فض فوها) ان الدين يجمع والطائفة تفرق، وطالبت بسلطة غير مذهبية، لكنها لم تتوقف كنقيب المحامين السابق عند تلك اللافتة الكبيرة، انما اقترحت الحل للوصول الى سلطة مدنية غير طائفية من خلال فتح باب الحريات على مداه وتحويل لبنان بأكمله الى «هايد بارك» مفتوح. ففي ظل الحرية لا يعمد المسؤول الفاشل، ولا الضابط المتقاعس ولا الشرطي المرتشي ولا يمكن للعقليات التي رهنت مستقبل لبنان للمذهبية والطائفية، ان تعيش بأمان ولا ان تتسلط في جو تغيب عنه المحسوبيات وقل لي: انت زلمة مين اقول لك: ما هو حجم سلطتك في البلد... آخ يا بلد.

ولعل العثور على جواب سؤال لماذا توقف «الشاطر يحكي»..؟، يمكن العثور عليه في الاستجواب الاخير الذي أجراه البرنامج حين سأل الناس ان يحددوا الاسباب التي تدفعهم للاعتقاد بأنهم مغبونون ومحبطون، فكان جواب الاغلبية لأنه ما من شيء يتغير.

وما قاله الناس صراحة قالته اسرة برنامج «الشاطر يحكي» ضمنا على لسان مقدمه، فقد طرح ذلك البرنامج مشاكل اقفال معامل وسرقات وجرائم قتل وتهريب مخدرات، ورشاوى وخلال تلك السنوات والمشاكل التي تقصم الظهر لم يستجب احد، فكأن البرنامج ينفخ في قربة فارغة.

ان صاحب البرنامج الجماهيري لا يمكن ان يواصل الصراخ في الفضاء وحين لا يعود الصدى يصبح استمرار الصراخ نوعا من الجنون، فهناك فرق بين برنامج جماهيري على غرار «من سيربح المليون» الذي ينمي الغرائز المادية ولا يطلب من احد ان يتحرك، وبين برنامج «الشاطر يحكي» الذي وضع لنفسه هدفا محترما وشديد الرقي، وهو المساهمة في حل مشاكل البسطاء الذين لا يصل صوتهم الى السلطة التنفيذية.

وبصراحة فإن الاعلام الحقيقي والمؤثر كان يمكن العثور علىه في برامج قليلة جدا منها «الشاطر يحكي» الذي قرأ بيان نعيه بكبرياء وانسحب من المشهد تاركا القضية للتفاعل ولاضافة عنصر آخر من عناصر الاحباط الى الذين دب اليأس في قلوبهم منذ زمن طويل، وصارت الهجرة من الوطن هي الحل الوحيد امامهم ما دام السكوت في بلادهم من فضة وذهب وزمرد وياقوت.

وكنا نتوقع ان يحصل شيء ما في لبنان بعد توقف ذلك البرنامج الجريء والضروري، كأن يتظاهر المغبونون ويطالبون بإعادته او تهتم الحكومة وتطلب عودته وتعد بوزرائها ومديريها بالتعاون مع اسرة ذلك البرنامج على حل مشاكل الناس، ويبدو ان ذلك التوقع كان من جنس احلام اليقظة فقد اسمعت لو ناديت حيا، ولكن لا حياة لمن تنادي.