حكايات للصيف فعل أف أف

TT

يتأفف الفرنسيون من اي شيء. من الشمس والمطر والصحو والريح والحليب البارد وورق الشجر وحركة السير وجاك شيراك واميركا والجماد والمخلوقات. ويعبرون عن هذا التأفف ببادئة كلامية هي «آ... بف». وهذه البادئة تتحول الى لاحقة والى خاتمة والى جملة مفيدة وجملة معترضة ولازمة حياتية. آ... بف اذا كان الجواب نعم. وآ... بف اذا كان الجواب لا. وآ... بف اذا كان لعم.

انها توفر عليهم البحث عن الكلمة المناسبة ومشقة الانتظار حتى العثور عليها.

والعامية الفرنسية لغة الكسل والبدائل. فكل شيء هو «لو ما شان». السيارة لو ماشان. والكتاب لو ماشان. واذا وضعت الصحن على الطاولة تقول «وضعت اللوماشان على اللوماشان». ويقابل ذلك في العامية المصرية «البتاع»، و«الاسمو ايه». واعتقد انها مأخوذة عن الفرنسيين كما اخذ الكويتيون «اقول» عن الانكليز القدماء «آي ساي، اولد تشاب»! وارجو ألا تهاجمني الزميلة «روز اليوسف» على نسب «البتاع» الى الفرنسيين. او حتى «الاسمو ايه». ماذا حدث للظرف المصري؟

عندما يتأفف الفرنسيون، تحدث الفأفأة اصواتا. واذا كان صاحبها قد بلي بطبيب اسنان غير ماهر، فانها ترسل ايضا في وجه الآخرين ما يمكن تسميته «الريق الكلامي». وعليك ان تستعد لمواجهة كل آ... بف بمنديل ورقي. او ان تبف بدورك في اتجاه المتحدث. واكتشف في نهاية كل صيف ان مجموعة الكلمات التي سمعتها في مطاعم ومقاهي الجنوب الفرنسي لا تتعدى اف وآ... بف ولوماشان. وقد تعلم اصدقاؤنا الكويتيون هذا السر الممتع. وبدل ان يخاطبوا اهل المطاعم بالانكليزية ويحركوا المشاعر القومية لدى الفرنسيين وذكرى احراق جاندارك اصبحوا الآن يستخدمون «لوماشان» و«آ... بف». وقد سمعت محمد الشارخ يقول للنادل: «واحد لوماشان» فعاد هذا ومعه زجاجة «بيرييه». ثم قال له بعد قليل «واحد. لوماشان» فعاد ومعه فنجان قهوة. لكن الشارخ اعترض محتدا وقال آ... بف، فاعتذر النادل وضرب يده على رأسه وعاد ومعه فنجان من الشاي.

يروي رجل الاعمال اللبناني ادمون بارودي انه رافق في الستينات وفدا من كبار رجال المصارف الفرنسيين في محادثات مع الملك حسين. وقد كلف الوفد رجلاً واحدا التحدث باسم الجميع. وبدأ الرجل حديثه قائلا: «تعرفون جلالتكم آن آ... بف الامر متعلق بلوماشان لانني لا اعرف ان كان آ... بف هو نفس آ... بف الذي في اللوماشان». وكان ادمون بارودي يصغي وقد وضع رأسه بين يديه وراح يندب سلفا العقد الذي جاء لتوقيعه. وقال في نفسه انه برغم الصداقة التي تربطه بالملك حسين، فإنه ما ان ينتهي اللقاء مع الا... بف حتى يصدر الملك مرسوما يمنعه فيه من العودة الى عمان. ولكن الملك اصغى حتى النهاية وودع ضيوفه وطلب من بارودي البقاء على الغداء. واشار الى ضيفه بالجلوس قائلا: آ... بف يا عزيزي ادمون اف ابف افف اففأف. تفضل!