الصورة التذكارية كما هي

TT

فلنتأمل قليلا صورة البرلمان اللبناني في جلسة انتخاب الرئيس ميشال سليمان قبل أن تصبح صورة من التاريخ: نصف النواب اللبنانيين (أكثر قليلا أو اقل قليلا) لا يتكلم مع النصف الآخر.

أبسط التهم التي تبادلها النصفان، عميل أميركي وعميل إيراني وعميل سوري ومتصهين وقاتل وحرامي وقرد ولوح. (دون تحديد نوعية الخشب). ثم يأتي الضيوف العرب. ونصفهم لا يتحدث مع النصف الآخر إلا مرغما. وفي هذه الحال القطيعة أكثر صدقا وأقل أذى. ثم يأتي مندوب الأمم المتحدة تيري رود لارسن، ونصف اللبنانيين يعتبرونه وسيطا دوليا ونصفهم يعتبره عميلا صهيونيا. ثم يأتي الضيوف الأوروبيون والدوليون وجميعهم ينسقون في ما بينهم ويتخاطبون ولهم موقف واحد، مهما تعددت ظلاله. ثم يأتي مجلس التعاون الخليجي وقد تمثل بأمير دولة قطر ورئيس وزرائها ووزير خارجيتها وسفيرها لدى الأمة اللبنانية والأمين العام للمجلس. ورفعت في بيروت لافتات تقول «شكرا قطر». وكان معدل رحلات «القطرية» بين بيروت والدوحة وبيروت أعلى من أي خط جوي آخر. وكان في إمكان اللبنانيين أن يوفروا على الشركة الشقيقة ويخففوا من الأعباء والكلف، باستخدام طيران الشرق الأوسط، التي كان أبناء الذوات يستخدمونها لحضور الأعراس أو كرنفالات الربيع في البرازيل، ولكن أبوا ألا يثقلوا على الشقيقة قطر التي جمعت أبطال لبنان في طائرة واحدة وفندق واحد، ثم جاءت برمتها إلى بيروت للتأكد من أن السياسيين عادوا إلى بيوتهم لا إلى خنادقهم.

وألقى الشيخ حمد بن خليفة خطابا في البرلمان اللبناني، ورفض صيغة «لا غالب ولا مغلوب» التي اعتمدها اللبنانيون ختاما لحروبهم. لكن الحقيقة هناك دائما غالب ومغلوب في لبنان. الغالب هم السياسيون الذين لا يزالون يمشون فوق مقابر 200 ألف ضاحكين متصالحين متعانقين، والمغلوب هو شعب ساذج لا يزال يتقاتل من أجل قتلته ثم يذهب كالذباب لإعادة انتخابهم في مواعيد الاقتراع. والمغلوب هذا الوطن الذي ينتقل إلى الدوحة ثم يعود ليكشف أن الرئيس الحل موجود على مسافة ألف متر من قصر بعبدا الفارغ الفراغ الكبير.

مشهد البرلمان اللبناني يوم الأحد كانت تعزيته أنه انتخب رجلا متواضعا ليس على يده أو ثيابه نقطة دم لبنانية واحدة. جاء من فكر المصالحات لا من غرور القوة. تحدث إلى الناس بقلبه لا بجزمته ولا ببندقيته. كان هادئا في لهجته كما هو هادئ في نفسه. وأهم ناخب للرئيس ميشال سليمان هو المواطن الورع ميشال سليمان.