في النقد الذاتي

TT

رغم كل ما نتصف به من ضيق الصدر وضيق الأفق أيضا، وما نشعر به من اعتداد بأنفسنا ورفضنا لأي نقد أو توجيه، فإن الكثير من ظرفائنا لم يترددوا في الضحك على بلادهم وأمتهم. أتذكر من ذلك جلسة جمعتني في أصيلة قبل سنوات مع الروائي والدبلوماسي الليبي أحمد الفقيه والكاتب السوداني محمد إبراهيم الشوش. بادرني الفقيه بالسؤال عن فكرتي في وضع الدول المتخلفة تحت وصاية الأمم المتحدة، أو بالأحرى إعادتها إليها بعد فشل تجربتها في الاستقلال. قال، أنا عندي فكرة أحسن، وهي عرض هذه الدول للإيجار، وأنا واثق أن أية دولة من هذه الدول ستكسب دخلا أكبر من إيجار أرضها وسيادتها ومصادر ثروتها، بل حتى شعبها، لإحدى الشركات الكبرى مقابل بدل إيجار يدفع سنويا أو فصليا لها. سيحقق ذلك مردودا مضمونا ومنتظما أعلى بكثير مما تجنيه حاليا من محاولة إدارة اقتصادها وشؤونها بنفسها.

وهنا قطب الزميل محمد إبراهيم الشوش جبينه محتجا ويائسا وقال، يا جماعة أنتم يا أهل العراق ويا أهل ليبيا، عندكم نفط يغري الشركات الكبرى باستئجار بلادكم، ولكن نحن في السودان من سيتقدم لاستئجار بلادنا؟

كان ذلك قبل اكتشاف النفط هناك وتقاتل الناس عليه. حضر أثناء ذلك ضيف آخر من السودان فصحح زميله وقال: «يا جماعة، أصلي سمعت أن شركة يونفرسال بكتشرز السينمائية تفكر بإخراج فيلم عن «جحيم دانتي».. فتشوا عن مكان مناسب لتصوير جهنم واستقر رأيهم على السودان كأحسن محل مناسب لعذاب الآخرة. وهو ما أراه من فرصة لبلدنا. نؤجره لأية شركة سينمائية تخرج فيلما يمثل نار الجحيم وعذاب جهنم».

وعذاب جهنم يذكرنا بالنكتة التي ألصقت ببعض الزعماء من ياسر عرفات إلى السادات. جاءوا بصدام حسين ليختار نوع العذاب الذي يريده فالظاهر أن بعض الديمقراطيات العربية تطبق فقط في جهنم. نظر أبو عدي فرأى أبو عمار وهو يقبل مارلين مونرو. قال لزبانية جهنم أريد مثل تعذيب أبو عمار. فقالوا له، هذا ليس تعذيب لأبو عمار. هذا تعذيب مارلين مونرو.

وهو إلى حد ما يناظر ما قاله رجل يمني عن بلاده. قال في اليمن كل شيء زفت إلا الطرق. وذهب الرئيس السلال للقاهرة يشكو من البروستات. فقرروا معالجتها بالكهرباء. فتمتم قائلا: «يا سبحان الله! الكهرباء تدخل فيّ قبل ما تدخل اليمن».

انتقل دبلوماسي سوداني للعمل في الجزائر بعد استقلالها. وكانت نفوسها لم تتجاوز العشرين مليونا عندئذ. وكان معجبا جدا بنضال الجزائريين من أجل استقلالهم. ولكن ما شاهده من أوضاع البلاد سبب له خيبة كبيرة. عبر عن خيبته لزميل جزائري «ما هذا؟ أهذا حقا بلد المليون شهيد؟» فأجابه الجزائري: «ماذا تقول؟ تقول بلد المليون شهيد؟! هذا يا سيدي بلد العشرين مليون شهيد!».

وهذه حكاية حقيقية روتها عراقية مريضة بالسرطان. ارتجفت عندما سلطوا عليها الأشعة. فقال لها الطبيب من باب التشجيع والتهوين: «خايفة؟ خايفة على إيش؟ على هذي حياتك في العراق؟!».