صدمة من السنيورة المستعجِل وفرصة لبشَّار المتردد

TT

استعجل رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة كثيراً التعبير الشخصي عن الابتهاج بـ«تسوية الدوحة» للأزمة اللبنانية وذلك عندما استحضر لفتة سبق لمُلهِمه الرئيس رفيق الحريري ان قام بها.

الذي فعله السنيورة عن حُسن النية وسوء تقدير هو أنه نزل ليلة الخميس 22ـ5ـ2008 الى الوسط التجاري الذي يطيب للبنانيين تسميته «داون تاون» مصطحباً زوجته في اشارة منه الى ان هذا الوسط بمقاهيه ومطاعمه ومكاتبه ومحلاته التجارية بدأ يستعيد زهوه بعدما تخلَّص من نير التخييم لبضعة اشهر. وقد ابتسم الرئيس المبتهج كثيراً مع المبتهجين وصافح كثيراً وسمع اطراءات وتبريكات، وكانت سعادته في اعلى درجاتها وهو يرى طاولات المقاهي المحيطة بالبرلمان المحجوب عليه بضعة اشهر وقد امتلأت بالرواد والأطايب ومدخِّني السيجار الفاخر والشيشة (النراجيل) على أنواع معسِّلها أو تنباكها العجمي الذي لا خلاف على جودته من جماهير الأزمة اللبنانية بنوعيهم، ويرى ايضاً ما كان احتجب بفعل تداعيات التخييم المعطِّل للمصالح، خلافاً للغرض منه... اي تعطيل قدرة الحكومة على الصمود بعدما خلت من وزراء الشيعة الذين يمثلون «حزب الله» و«حركة أمل» ومعهم من يمثِّل الحليف الماروني الجنرال ميشال عون. لكن ما تمناه هؤلاء لم يتحقق حيث صمد السنيورة ووزراء حكومته المنقوصة التمثيل الطوائفي لجهة الطائفة الشيعية وامضى بضعة اشهر في السراي المسوَّر بالاسلاك الشائكة للحماية من اجتياح محتمَل يقوم به المخيِّمون.

هذه الإطلالة السنيورية كانت اجتهاداً صادماً لأمهات وآباء واخوات واخوان واطفال عشرات اللبنانيين الذين قضوا خلال الايام السوداء التي عصفت بالعاصمة بيروت وبعض بلدات وقرى الجبل والشمال والبقاع وما زال الحزن يغمر نفوسهم. ولذا فإن جولة من السنيورة وآخرين من رموز تلك الازمة يمثلون كل الاطياف الحزبية والسياسية والتيارية على هذه البيوت المحزونة كان هو المطلوب وليس استعجال النزول الى الـ«داون تاون». ونقول ذلك على اساس ان اصول التعامل الانساني تقضي بتقديم واجب التعزية على لهفة المشاركة في الابتهاج كما تقضي بتطييب الخواطر قبل اي شيء آخر. ومن هنا قولنا إن الرئيس فؤاد السنيورة بهذا النزول المباغت إلى عالم السهرة والساهرين اساء التقدير عِلْماً بأن حُسْن النية هو الدافع الى ما نعتبره اساءة، ذلك انه اراد تشجيع الناس على ان يخلعوا ثياب اليأس والتشاؤم ويرتدوا ثوب التفاؤل بكل مباهجه ويستعيدوا حياتهم وما فقدوه طوال بضعة اشهر تخييمية.

وعندما نقول ان السنيورة اقتبس هذه الفكرة الابتهاجية من اسلوب مُلهِمه رفيق الحريري فعلى اساس ان الرئيس الشهيد كان عندما يتعمد اصطحاب كبار زوار لبنان ومن بينهم صديقه الرئيس جاك شيراك الى جولة ليلية يرى فيها هؤلاء بدايات «المعجزة الحريرية» في سرعة الإعمار والتطوير، كانت هنالك ازمات سياسية ومماحكات وامتعاض من هدايا صفائح زيت الزيتون على المحتاجين، لكن لم يكن حدث هذا الذي حدث خلال بضعة ايام سوداء. كما انه كان يفعل ذلك لتسويق لبنان في عالم السياحة والاستثمار.

في اي حال ما زالت الفرصة متاحة امام حكومة السنيورة سواء ارتأى النائب سعد الدين الحريري معاودة إبقاء امانة ترؤس الحكومة في عهدة صديق العائلة او استرد الأمانة مريحاً الاخير من صداع الترؤس والعودة من جديد الى عالم المال والأعمال في لبنان أو المنطقة أو البنك الدولي، لكي يطيِّب (اي السنيورة) خواطر مَن فقدوا الإبن او الأب او الأم او الطفل ومَن سكن الخوف قلوبهم وأحرق الاجتياح بيتاً لهم او دمر مصلحة او مكتباً.

ويبقى في شأن «تسوية الدوحة» القول إن تتويج رئيس الجمهورية المتوافَق عليه منذ البداية العماد ميشال سليمان ليس نهاية المطاف وإنما هو البداية. وخشية ان يجد اللبنانيون انفسهم يعيشون ازمة حكومية تنشأ عن طبيعة اقتسام المغانم ويبقى السنيورة في هذه الحال رئيس حكومة تصريف اعمال لبضعة اشهر، فقد يكون من الافضل ان يكون «امراء الازمة» هم وزراء الحكومة الاولى في العهد السليماني او يتفقوا، مراعاة منهم لمشاعر الناس ولو لمرة واحدة كي يكمل اللبناني تنفُّس الصعداء، على ان تكون الحكومة حكومة خدمات يتولى حقائبها الوزارية اصحاب كفاءات من عناصر على درجة من الاستقلالية. كذلك يبقى في شأن «تسوية الدوحة» القول إن امام الحكم السوري فرصة قد تغنيه الاستفادة منها عن اشكالات وإجراءات كثيرة آتية لا ريب فيها. والفرصة هي نوع من رد الجميل في الوقت نفسه للرئيس الجديد ميشال سليمان الذي سبق وسلَّف وهو ما زال قائداً للجيش وشبه متوافَق على ترؤسه، صديقه الرئيس بشَّار اكثر من وقفة. وليس مثل صيغة لقاء خيمة عبد الناصر ـ الجنرال فؤاد شهاب ما هو افضل من هذا الرد على التسليف السليماني الكفيل بتدعيم موقفه وسط ابناء طائفته وامام اللبنانيين دون استثناء. وفي حال تم هذا اللقاء داخل خيمة على ارض مشتركة سورية ـ لبنانية على الحدود فإن عوائق كثيرة ستزول من امام تأسيس علاقة صحية بين البلدين، فضلاً عن انه يشكل مدخلاً لائقاً امام المطلب اللبناني ـ العربي الدولي وهو ترسيم الحدود وتبادُل التمثيل الدبلوماسي. وبذلك تكفي اللبنانيين كثرة المطالبة وتكفي المجتمع الدولي كثرة التحرش وتكفي سورية البشَّارية الذاهبة اصلاً الى تسوية مع اسرائيل ولو كرهت ايران كثرة التردد في انجاز امر باتت الظروف الدولية والاقليمية تحتم حدوثه... هذا لمن يريد ان يحكم مستقراً.