الشاب خالد.. مشعل!

TT

الرأي والرأي الآخر هدف جميل يسعى إليه كل منصف وعاقل ينشد الديمقراطية والفرص السوية بين الفرقاء. هذا بحد ذاته مطلب نبيل لا يمكن التشكيك في مغزاه ولا الجدال في فوائده. ولكن أن يكون هذا الطرح مغلفا بسجل من الطغيان والاستبداد والتدخل في شؤون الغير بقوة وغدر وعنوة فهذا يكون نوعا من الدجل السياسي. ولعل تصريحات القائد السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) خالد مشعل في المؤتمر الصحفي الأخير الذي انعقد في العاصمة الإيرانية طهران، وتمجيده لإيران ودورها في المنطقة كعنصر فعال وكعنصر ايجابي، تجاهل كبير للضرر الكبير الذي ترتب عليه التدخل الإيراني في الكثير من المسائل الداخلية لعدد غير بسيط من الدول العربية، مؤديا إلى اضطراب وتشنج وخلل أمني واضح.

اليوم وحماس تفتح باب العودة عربيا لإيجاد حل توافقي بين الفرقاء الفلسطينيين أسوة وأشبه بما حدث مع الأطراف اللبنانية مؤخرا، يبدو أن هناك فرضيات جديدة يجب أن تؤخذ في عين الاعتبار. فلسطين مثال ديمقراطي في منطقة يغيب عن معظمها المفهوم تماما، ولكن فلسطين كانت مثالا للتعايش المشترك بين أبناء الوطن الواحد، ولكن التطرف الديني يولد اضطرابا في الثقة في المستقبل والخوف منه، وخطاب حماس لم يخف إسرائيل وحدها ولكنه أدى أيضا إلى التعجيل بهجرة أبناء الطوائف المسيحية من الفلسطينيين بشكل واضح، وهي مسألة تحسب ضد منظومة العيش المشترك الفلسطيني المعروفة عبر التاريخ. وعليه فإن احترام الرأي الآخر يجب أن يكون ممارسا على أرض الواقع ولا يكون مجرد رخصة للوصول للحكم ومن بعدها (يحلها الحلال).

خالد مشعل مطالب أكثر من أي وقت مضى بالاتعاظ من مآسي الاقتتال الفلسطـــيني الــذي حـــدث سابقا، وحول الأطراف منها إلى مجموعات متناحرة، وتشهد عليهم عمان وبيروت وتونس وبغداد وعدن.. أهدرت نتاج تلك الخلافات دماء وضحايا بسبب وبدون سبب. ولعل «حماس» تستفيد من الكارثة التي تسبب بها حزب الله مع أبناء لبنان حينما شهر سلاحه في وجوههم وصوب الرصاص إلى الرؤوس والقلوب محدثا الفتنة التي كان الكل يحذر منها. وحماس التي أقسمت بالكعبة المشرفة واتفقت في مكة المكرمة وعاهدت في أمكنة عديدة مختلفة على أن لا تسيل الدماء الشقيقة، وأن الدم الفلسطيني خط لا يمكن مساسه ولا الاقتراب منه أبدا، ها هي تواصل نهجها البعيد عن الخط العربي والبعيد عن الخط الفلسطيني محولة الطروحات السياسية الممكنة إلى معارك تكسير رأس وتحطيم رأي فقط لا غير.

الفاتورة الفلسطينية تزداد تكلفة ويستمر ثمنها في الارتفاع لمستويات غير مسبوقة، ولا يوجد اتعاظ كاف كما يبدو من دروس الماضي ولا قراءة كافية لتطورات الحاضر. حماس لم تستطع للآن أن تدير سيمفونية سياسية حقيقية، وإنما باتت صوتا نشازا داخل أروقة صناعة القرار، واليوم وهي تلجأ لإيران تؤكد التخبط وقصر النظر الواضح لها، وتحول التعددية في الساحة الفكرية بفلسطين من سيمفونية واضحة الملامح إلى موسيقى رديئة؛ فلا هي أدت الغرض ولا أطربت، وتحول فيها الشاب خالد مشعل إلى مؤدٍ «للراي» كموسيقى وليس كطرح سياسي.

[email protected]