غوران وزيدان

TT

قد يكون اروع حدث في بريطانيا هذا العام (حتى هذا اليوم) المباراة النهائية لبطولة ويمبلدون للتنس ما بين الكرواتي غوران ايفانيسيفيتش والاوسترالي بات رافتر. وقد تكون ويمبلدون هذا العام مختلفة مع خروج بطلات وابطال بارزين، ومع هطول الامطار في آخر ايام البطولة، مما جعل اعصاب اللاعبين والمتفرجين مشدودة الى التوتر بشكل لم يسبق له مثيل.

المباراة النهائية كانت خيالية من حيث الجو الذي وصلت «كهربته» حتى الجالسين امام اجهزة التلفزيون في بيوتهم. اروع ما فيها بالطبع كان اصرار غوران على الفوز ومن ثم فوزه بعد تكراره لاخطاء آخر لحظة، كما حدث معه في بطولات سابقة خسرها. تلي روعة هذا الفوز، روعة الشعب البريطاني الذي انفعل مع الفائز الكرواتي الى درجة ان صحيفة «الصن» اقترحت اعتباره مواطن شرف بريطانيا.

في المباراة قبل النهائية ما بين ايفانيسيفيتش والبريطاني تيم هنمان، وكانت بمثابة «الماراثون» حيث اوقفتها الامطار مرتين لتحسم في اليوم الثالث، استعد البريطانيون لفوز هنمان اذ ان عطشهم لبطولة ويمبلدون طال 63 عاما. الصحف البريطانية تبنت اللاعب البريطاني تماما كما تبنت حرب الفولكلاند زمن تاتشر، وخرجت بعناوين «مجنونة»: اغرقه.. دمره.. اسحقه.. لم تتحدث ابدا عن ايفانيسيفيتش بل عن «انتصار» هنمان، الذي خُيل لها انها لمسته بيدها.

هنمان بريطاني جنتلمان، انما تنقصه «الشرقطة» التي تلهب المتفرجين وابعد. احترف رياضة التنس حسب اصولها تماما، إن كان من ناحية التكنيك او برودة الاعصاب، ولهذا لا اعتقد انه سيفوز، اذ من اجل الفوز لا بد من الاقتحام وهذا يحتاج الى بعض المغامرة وبعض الجنون، حتى الرئيس بيل كلينتون المعروف بعشقه للمغامرة، سحر جمهور ويمبلدون والبريطانيين من خلال مقابلة تمنى فيها من باب اللباقة فوز هنمان البريطاني.

خسر هنمان وزحف البريطانيون الى ويمبلدون ورافقهم الاوستراليون وبضعة كرواتيين، لكن ما ان بدأت المباراة حتى اثبت ايفانيسيفيتش ان لديه شعبية تفوق «الوطنية» الرياضية البريطانية، وانفعل معه الجمهور كمن مسته كهرباء البطولة النهائية لـ«كرة القدم». لا يمكن وصف ذلك الجو الذي لم تعرف ويمبلدون مثله، وقد لا تعرف... كما قال رافتر الكبير في هزيمته.

واشتعلت مع فوز ايفانيسيفيتش كرواتيا. كرواتيا الخارجة من حرب والضائعة ما بين تسليم او عدم تسليم جنرالين ارتكبا مجازر في الحرب، والرازحة تحت التهديد الغربي إما بدعم اقتصادها مقابل تعاونها مع محكمة لاهاي لمجرمي الحرب او التوجه نحو المجهول.. لقد وضعت كل مشاكلها جانبا وهتفت ورقصت مع عودة البطل.

في هذا الوقت، كان العالم ايضا يتحدث عن زين الدين زيدان، اغلى لاعب كرة قدم في العالم وامهرهم، زيدان الجزائري الاصل لم تفكر الحكومة الجزائرية حتى بتهنئته، ولم يخطر لها الخروج من اتون حربها الداخلية المستمرة لتدعو ابنها للاحتفال به فتحقق الوحدة الوطنية ليوم واحد على الاقل في الجزائر. أليس هذا ما يسعى اليه عبد العزيز بوتفليقة في جولاته الخارجية؟

هل كُتب علينا ان نفرح لغيرنا ونترك العالم يهتم بالموهوبين من ابنائنا؟ متى يصبح لدى المسؤولين عندنا «لحظة فراغ» يهتمون فيها بما يهم الناس؟

من الرياضيين لا نطلب ان يعلمونا المعرفة او الذكاء، انما تعلمنا من زيدان التواضع واهمية النجاح الفردي، ومن غوران الوفاء والمثابرة والايمان.

زيدان وغوران حدثان عالميان، واحد تناسته دولته وآخر تمسكت به بلاده لتجميل وجهها!