قمة القارة الهندية.. هل تحقق أهدافها؟

TT

من المقرر ان يعقد غدا مؤتمر القمة المتوقع منذ امد طويل، بين كل من الرئيس الباكستاني برويز مشرف ورئيس الوزراء الهندي اتال بيهاري فاجبايي في العاصمة الهندية نيودلهي على امل القضاء على الموقف المتوتر الذي تبلور في العامين الماضيين.

لا يوجد جدول اعمال محدد لمؤتمر القمة الذي سيستغرق يومين، ولكن الزعيمين كشفا عن الموضوعات التي يرغبان في بحثها. فقد ركز فاجبايي على اجراءات بناء الثقة ثم خطط زيادة التجارة والتبادل الثقافي بين البلدين. الا ان مشرف اوضح ان الهدف الرئيسي لرحلته، هو ادخال الهند في حوار حول كشمير.

وقبل الذهاب الى نيودلهي اتخذ الجنرال مشرف عدة خطوات لتقوية موقفه داخليا. فلأنه وصل الى السلطة قبل عامين عن طريق انقلاب عسكري كان عليه ان يؤكد شرعية سلطته قبل ان يلتقي الزعيم الهندي. ولذا فقد تم اعلان مشرف رئيسا للجمهورية الاسلامية لباكستان في الشهر الماضي، بدلا من الرئيس السابق محمد رفيق تارار الذي احيل للتقاعد.

وطبقا للدستور الباكستاني، فإن منصب الرئيس شرفي. وهذا هو السبب وراء اتخاذ مشرف خطوة اضافية. فقد اسس مجلس امن قومي يتمتع بسلطات دستورية غير محدودة. وسيصبح مشرف رئيسا لهذا المجلس الجديد، الذي سيعتبر مزيجا من السلطتين التنفيذية والتشريعية في آن واحد. وتجدر الاشارة الى ان مجلس الامن القومي اقيم على غرار مجلس الامن التركي الذي يعتبر مركز السلطة في انقرة منذ الستينات. والفرق هو ان المجلس الباكستاني حصل على سلطات اوسع، وانه، على العكس، من نظيره التركي ليس ملتزما بالقيود الدستورية. كما ان المجلس التركي يضم رئيس الوزراء وعددا من الوزراء المنتخبين المسؤولين امام البرلمان. الا ان المجلس الباكستاني يضم فقط قيادات الجيش والاسطول وسلاح الجو بالاضافة الى حكام الاقاليم الاربعة. ولأن مشرف هو الذي عين كل اعضاء المجلس، فانه يملك سلطة طردهم من وظائفهم. ويمكن النظر الى المجلس باعتباره مجرد اداة في يد مشرف.

هل ستحقق قمة نيودلهي اي نجاح؟ الرد السريع هو: «لا».

لقد اساء مشرف الى نفسه ليس مرة واحدة بل مرتين، فتركيزه التام تقريبا، على كشمير جعل من الصعب على الجانب الهندي ان يكون متعاونا بخصوص الخطط العريضة لتخفيف التوتر. ان حكومة فاجبايي خاضعة لتحالف هندوسي وطني يعتبر الحفاظ على الحكم الهندي في كشمير امرا مقدسا.

ولكن حتى لو كان فاجبايي على استعداد لتقديم تنازلات ذات مغزى بخصوص كشمير، فانه قد يتساءل لماذا يجب ان يقدم مثل هذه التنازلات الى زعيم باكستاني انتقالي. لقد اضعف مشرف وضعه الخاص بقوله انه سيجري انتخابات رئاسة في البلاد في اكتوبر من العام المقبل، وانه لن يتقدم للترشيح. ولذا ربما يضطر فاجبايي الى الانتظار حتى تنتخب باكستان رئيسا جديدا لها، وربما تضع دستورا جديدا، قبل الدخول في حوار طويل حول كشمير وغيرها من الموضوعات الحساسة بين البلدين.

لقد تسببت كشمير في ثلاث حروب بين الهند وباكستان. ومعارك في كشمير ذاتها بين انصار الاستقلال والقوات الهندية المحتلة. وقد تسببت في مقتل 60 الف في العقد الماضي. كما اجبر النزاع الجانبين على الدخول في واحدة من اكثر سباقات التسلح كلفة وربما خطرا في اي مكان في اسيا. فقد طور الجانبان اسلحة نووية، كما اقيمت ترسانة مؤثرة من الصواريخ متوسطة وطويلة المدى. ويمكن القول ان الكلفة السياسية على المدى الطويل للنزاع حول كشمير ربما تكون مرتفعة للغاية بين الهند وباكستان. ففي الهند ادى هوس الاحتفاظ بكشمير ضد رغبات سكانها الى تجميد كل المباحثات السياسية والمناقشات في ما يتعلق بإصلاح بنية الدولة.

لقد ظهرت الهند في البداية كدولة فيدرالية. ولكن في الواقع فإن السلطة المركزية، في تقديري، وسعت سلطاتها على حساب الدديمقراطية المحلية والاقليمية. وكلما يثار الموضوع فإن الحكومة المركزية تفرض حظرا في ما يتعلق بالاشارة الى الاخطار التي تهدد كشمير. والنقاش التقليدي هو انه اذا سمح لكشمير بإجراء استطلاع يؤدي الى استقلالها فإن الفيدرالية الهندية بأكملها ستنهار. والازمة الحالية في اندونيسيا ولا سيما انفصال تيمور الشرقية، تعتبر تحذيرا للهنود الذين يسعون لاعادة تعريف العلاقة بين الحكومة المركزية والسلطات الاقليمية الديمقراطية المنتخبة.

الامر الذي لا يتذكره احد هو ان كشمير حالة خاصة. وهذا الوضع الخاص اعترفت به بريطانيا، التي كانت القوة الاستعمارية في شبه القارة الهندية، كما اعترفت به الامم المتحدة في عام 1947 التي منحت شعب كشمير حق تقرير مستقبلهم بعد استفتاء. ورفض نيودلهي الاعتراف بالاستفتاء هو السبب الرئيسي للصراع في كشمير. غير ان كل الولايات الهندية الاخرى انضمت الى الاتحاد طواعية. وفي ما عدا حركات انفصالية صغيرة في ولايتين صغيرتين في الهيمالايا، فلا توجد مبررات هامة لتفكك الاتحاد الهندي.

ان الهند ديمقراطية ناضجة ومن المؤكد ان لديها ثقة بالذات كافية لمواجهة مشكلة كشمير عبر وسائل اخرى غير العنف. ولا يوجد دليل ان الاغلبية من شعب كشمير، ستصوت لصالح الانفصال الفوري والواضح عن الهند، اذا اجري استفتاء منظم بطريقة مناسبة. وحتى لو صوتت الاغلبية لصالح الانفصال واصبحت كشمير مستقلة، لا يوجد دليل ان ذلك سيؤثر على مصالح الهند الوطنية او وضعها الاقليمي. بل على العكس ان حل مشكلة كشمير سيمكن الهند، ليس فقط من توسيع دورها الاقتصادي في الولاية ولكن سيمكنها من تأسيس علاقات مميزة مع الهند. وبالنسبة لباكستان، ليست لديها مصلحة في استمرار مشكلة كشمير. ومن المؤكد ان باكستان قادرة على دعم حرب محدودة النطاق في كشمير للابد. ولكن لن تتمكن ابدا من امتلاك القدرة العسكرية والاقتصادية المطلوبة لتحقيق انتصار حاسم ضد الهند في حرب مباشرة.

لقد عرقل النزاع الكشميري ايضا التطور السياسي في باكستان. فقد قدم للعسكر مستوى القوة والهيبة، بالاضافة الى جزء جيد من الميزانية القومية، لم يكن من الممكن الحصول عليه بدون هذه المشكلة. لقد اصبحت القوات المسلحة مؤسسة قومية مبالغاً فيها، غير خاضعة لاية سلطات تقريبا وترفض بين الحين والاخر القيود الدستورية. لقد تعرضت باكستان في تاريخها لخمسة انقلابات عسكرية في 50 سنة. ولنصف عمرها كدولة مستقلة كانت خاضعة لحكم العسكر.

ان ربط النشاط السياسي لدولة ضخمة بموضوع واحد، بغض النظر عن اهميته، هو امر يؤدي الى نتيجة عكسية. فمحاولة باكستان تحرير كشمير قد ادت الى سجن ذاتي. ومحاولة تبرير احتلالها غير الشرعي لكشمير، حولت الهند الى رهينة سياسية.

ما هو الطريق الامثل للخروج من هذه الازمة؟ لقد سعى الجانبان طوال 54 سنة الى حل عسكري وفشلا. فلا يمكن لباكستان تحرير كشمير عن طريق القوة ولا يمكن للهند سحق اماني الشعب الكشميري في تقرير المصير. ولذا يمكن القول ان للبلدين مصلحة وطنية في التخلص من هذه القضية الوحيدة المكلفة والمدمرة في نهاية الامر. ان شعب كشمير لديه هو الاخر مصلحة في فصل مشكلته عن القضية الاكثر تعقيدا للعلاقات بين جارتين متنافستين. ولكن كيف يمكن ترجمة كل ذلك الى تحركات سياسية محددة؟

ان الخطوة الاولى هي اجراء الهند محادثات مع قادة كشمير الذين يوافقون دائما على العمل في اطار قانوني لا يتسم بالعنف بصورة كبيرة. كما يجب على الجماعات المسلحة الارتباط بهذه المحادثات، ولو بعد الموافقة على وقف اطلاق النار.

وعلى باكستان اقرار مثل هذه المحادثات وان تتخذ اجراءات لمنع القطاع الذي تسيطر عليه من استخدامه كقاعدة لاعمال عسكرية في كشمير ذاتها.

وفي الوقت ذاته على باكستان والهند فتح مجموعة جديدة من مجالات التعاون. وواحدة من تلك المجالات يمكن ان يكون خط انابيب النفط والغاز المقترح بين ايران والهند عبر باكستان. والمجال الاخر يمكن ان يكون ندوة لمناقشة تجميد سباق التسلح النووي.

ويبقى انه كلما تداخلت المصالح الاقتصادية والسياسية والعسكرية بين الهند وباكستان زادت احتمالات التعاون في حل مشكلة كشمير. ولذا فإن العلاقات الجيدة بين اسلام اباد ونيودلهي هي من مصلحة شعب كشمير ايضا. وهو ما يدفعنا الى الامل في نجاح قمة مشرف ـ فاجبايي.