من يحمل السلاح يحكم لبنان

TT

فقد السيد حسن نصر الله بريقه، كما فقد المسمى سلاح المقاومة شرف البنت، وعاد لبنان الى تفكير عهد السبعينات، رغم نسائم السلام في هدنة الدوحة، التي أنقذت لبنان عاما على الأقل. كان لبنان «حارة كل من ايده اله»، كما يقول المثل السوري، فيه مقاتلو «فتح»، و«الشعبية» و«ابو نضال»، و«الكتائب» و«أمل» و«الاشتراكي»، وغيرهم. وكانت كل الحارات المسلحة تدعي أن سلاحها اما لتحرير فلسطين أو لحماية الوطن، لكنها في الحقيقة تسلحت لخدمة الحزب وطموحات الزعيم الشخصية، وهكذا اندلعت ذات يوم الحرب بين أمراء السلاح.

اليوم كل الاطراف رأت ان حزب الله، الذي عجز عن تحقيق أغلبية برلمانية، حكم البلاد ببندقية، مثبتا أن لا قيمة للانتخاب والديموقراطية، ورأت الاطراف ان الجبل الدرزي بقي واقفا لأنه هو الآخر يملك بنادقه، في حين دفع سكان السهل المسالمون الثمن على طاولة المفاوضات بقوة السلاح.

في الحرب الفضيحة تعرت أمام الجميع جملة أكاذيب، ان السلاح للمقاومة، وان الدستور واتفاق الطائف وتوازن القوى السياسية والخوف من الحرب الأهلية كلها عوامل استقرار مهما ارتفعت أصوات التهديد.

ورغم أن الجميع يريدون نسيان الكابوس لكنهم لن يستطيعوا حتى في ظل اتفاق زواج الإكراه الذي فرض ما هو غير دستوري من أجل منع المزيد من القتل، واحتلال المناطق، والحرب الطائفية، ربما لعشر سنوات حرب.

وما لم تقبل الاطراف المسلحة نزع سلاحها وتسليمه للجيش، او بيعه في سوق الخردة، فان ما ترونه من ابتسامات على وجوه القادة اللبنانيين مجرد مكياج سياسي يخفي الكثير تحته. فأي زعيم يدرك اليوم انه بلا بندقية لا قيمة له سياسيا وحزبيا وحتى شعبيا. فالعاديون من الناس جربوا ولمسوا كيف كانوا قاب قوسين أو أدنى من ان يقتلوا أو تنتهك حرماتهم أو يطردوا من مناطقهم ليضافوا الى ملايين المشردين في المنطقة. كل هؤلاء كانوا من المؤمنين بالنظام القائم حينها، أي الدستور والجيش والعلاقة الوطنية، لكن النظام ذاب كالملح في لحظة الحاجة.

وبقدر ما يعتقد حزب الله انه متسيد الموقف لأنه يحمل السلاح فقط، فهو يدرك انه لن يصبح سيدا مضمونا ان لجأت الفرق الاخرى الى نفس النهج، وصار لكل فريق قواته. فقد صار هناك ما هو أسمى من مزارع شبعا، يستحق من أجلها حمل السلاح وربما رفعه، حماية الذات. وقد يستمر حزب الله الأقوى عسكريا، بحكم تخصصه وضخامة تمويله، لكنه يعرف انه لن يكون مهيمنا، ولن يستطيع مستقبلا ان يمارس انقلاباته بلا ثمن مؤلم، ولن يستطيع ان يكون مسدسه الوحيد على طاولة المفاوضات.

انه تصوير سيئ لما ينبغي ان يكون عليه التوازن في داخل بلد متعدد كلبنان ولن تخرج النتيجة النهائية عن هذا التصوير إلا إذا اقتنعت الاطراف المسلحة كلها، لا حزب الله وحده، بأن حمل البندقية ليس حلا للوصول الى التعايش والمشاركة والاستقرار.

[email protected]