ولا أهمية لأن تجد الكلمة المناسبة

TT

هذه أبيات لغيرنا من الناس.. قال أبو نواس:

«خل حبيبك لمرام

وامض عنه بسلام

مت بداء الصمت خيراً

لك من داء الكلام

إنما العاقل من ألجم

فاها بلجام»

كلام حلو لو طبقه الكتاب والمحامون والقضاة والشعراء لماتوا جوعاً. إنهم يموتون كما يعيشون على الكلام وبالكلام. وإذا قلت للكاتب لا تقل ولا تنطق.. أي اخنق نفسك بنفسك.. أو سد أنفك وأذنيك وعينيك.

وهناك نوعان من الكلام: الذي له صوت والذي لا صوت له، وهو التفكر والتأمل. قال أستاذنا العظيم أرسطو: الكلام تفكير بالفعل والتفكر كلام بالقوة ـ القوة هنا معناها الذي ليس مسموعاً ولا ظاهراً..

والقراءة هي الكلام بالقوة.. أي أنك تقرأ وتستمع إلى ما يقوله غيرك. فالقراءة هي فن الإنصات. والقراءة مغرية. وكم من ليلة صحوت وفي نيتي أن أكتب وأستعد لذلك فتغلبني يدي وتترك القلم وتمسك كتبي وتستدرجني لأن أسمع ما يقوله كاتب آخر.. وأكثر الذي أقرأ لهم يكتبون أفضل ويقولون أجمل. فكيف أترك الجمال المؤكد وأنشغل بما لا أراه جميلا.

فكم مرة تحيرت بين كتاب بديع وبين أن أكتب بحثا أو مقالا.. إنني أنتزع نفسي انتزاعاً من بين أحضان الكتب البديعة لعظماء الأدب والعلم والفن.. إن هناك كتباً طاغية. إذا مددت يدك إليها وقلبت صفحاتها فقد اخترت إعلان حالة الطوارئ في حياتك؛ فيجب ألا تقول أو تسمع أو تأكل أو تشرب وإنما أن تجلس في صمت وتستمع لمن هو أعظم وأجمل وأمتع!

وقبل وفاة أديبنا الكبير توفيق الحكيم استحلفنا أن نجد كلمة سخيفة نقولها في وجه الموت. وقال إنه لم يجد الكلمة المناسبة والبركة فينا. وللأسف نحن أيضا لم نجد هذه الكلمة بعد!