النكبة.. والنكبات

TT

قبيل الأحداث الأخيرة التي هزت لبنان، كانت معظم وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية إما قد باشرت عرض سلسلة من البرامج السياسية الخاصة والوثائقيات التي أنتجت لإحياء الذكرى الستين لنكبة فلسطين ونشوء إسرائيل وإما قد مهدت لتلك البرامج بإعلانات مكثفة عنها.

بدت الذكرى الستون محطة مهمة لإعادة إحياء أم القضايا العربية وهي القضية الفلسطينية، إلا أن السلاح المنفلت في شوارع بيروت وبعض المناطق اللبنانية والانتكاسات المتكررة في العراق سرقت الانتباه وجعلت اهتمام الإعلام ينصب على «نكبة» جديدة كادت تنسي ما حل في النكبة الأولى وتداعياتها بعد ستة عقود..

حاول بعض الإعلام استدراك الأمر وموازنة التغطية بين الأحداث في لبنان وذكرى فلسطين، فيما عمدت قنوات إخبارية إلى تكثيف الاهتمام بالقضية الفلسطينية وتمديد فترة التغطية الخاصة بعد أن هدأ مسلحو ما يسمى بالمعارضة في لبنان وانتقلوا للاحتفال بـ «نصرهم» الجديد في أزقة بيروت.

لطالما نُكبت النكبة الفلسطينية بنكبات موازية وأخرى لاحقة خلال الأعوام الستين الماضية.

لم يسعف الوضع في لبنان وسائل الإعلام العربية للتوقف أمام محطة النكبة المؤسسة، التي أنتجت المأساة الفلسطينية المفتوحة إلى اليوم والتي يطغى على مقاربة الإعلام العربي لها عموماً منحى الحنين والتباكي على قضية محقة لكنها تستحق مقاربة من نوع جديد اليوم.

بدت المادة المعدة والمنتظرة حلول موعد بثها وعلى رغم أهميتها وصدقها أبرد من الحدث الآني المشتعل في المنطقة والذي بدا أكثر حرارة من الحدث البعيد.

ملامح وصوت الفلسطيني العجوز الذي قيل له اترك منزلك لدقائق عشر فمر ستون عاماً ولم يعد إلى منزله بدا أرشيفاً في مقابل صور بيروت مستباحة وصور آباء عراقيين يبكون أبناءهم وأمهات فقدن أطفالا بنيران مفاجئة وصور آلاف طمروا تحت أنقاض زلزال الصين.

التداخل ما بين ذكرى النكبة الفلسطينية وأحداث لبنان والعراق والاحتفالات بالذكرى الثامنة لتحرير جنوب لبنان من الاحتلال الاسرائيلي مروراً بأحداث خطيرة أخرى، يضاعف من سوريالية المشهد الراهن في المنطقة وبالتالي تبدو العودة إلى القضية المركزية وهي فلسطين ملحة ليس من زاوية الفهم والاستدراك، بل من زاوية الهروب من مواجهة فعلية للنكبات الكثيرة التي تحيط بنا.

ربما كان على مشعلي الحروب الأهلية في بلادنا أن يضيفوا إنجازاً على تخريبهم دولا وأوطانا ألا وهو إعاقة انتظام ذاكرة سوية تساعدنا على هضم النكبات وفهمها لمحاولة النهوض من آثارها والحيلولة دون وقوعنا في براثن نكبة جديدة يبدو أننا في الطريق إليها.

diana@ asharqalawsat.com

* مقال اسبوعي يتابع قضايا الإعلام