الماسوشية العراقية

TT

تدخل في إطار ما ذكرنا عن النقد الذاتي ظاهرة الماسوشية العراقية. العراقيون لا يحبون أنفسهم، ولا يعتدون بوطنهم، ولا يساعدون بعضهم البعض. تفاقمت هذه المشاعر في عهد صدام حسين. راح القوم يلومون أنفسهم ويحتقرونها على رضوخهم له، وعدم انتفاضتهم ضده، رغم تاريخهم الطويل الحافل بالانقلابات والثورات. وهكذا لم يجدوا خلاصا منه إلا بدعوة الإمبرياليين الغرباء ليأتوا ويحرروهم منه.

ذهبت امرأة لتسلم حصتها من التموين ووجدت صف الرجال قصيرا فانضمت إليه. قال لها الشرطي: «آسف يا حرمة. هذا صف الرجال. صف النساء على الرصيف المقابل». فأجابته قائلة: «أي رجال؟ هو ظل بالبلد رجاجيل؟».

وبعد الهزائم المريرة التي مني بها الجيش العراقي في حربه مع إيران واحتلاله للكويت، صعدت امرأة مع ابنتها إلى إحدى الحافلات. وكانت الحافلة مكتظة بالركاب ولم يعد فيها أي مقعد خاليا. أشارت الأم إلى ابنتها وقالت، اقعدي هناك بنتي. أجابتها البنت وقالت: وين هناك؟ موهذا الرجال قاعد هناك. أقعد بحضنه؟!».

ـ «اقعدي عيني. هو بقي بالبلد رجال؟».

أصبح النزوح من العراق بغية كل مواطن. ذكرت في مناسبة سابقة كيف أن بعض كبار المسؤولين في الحكومة أخذوا يتبلبصون للسفير السويدي، ويسألونه ما إذا كان بإمكانه مساعدتهم في الحصول على لجوء في السويد لعوائلهم (وبالطبع وبالتالي لهم أيضا).

وهكذا قيل إن أحد باعة اللبلبي (الحمص المغلي بالملح – الأكلة الشعبية في العراق) راح ينادي على بضاعته خارج مقام رئيس الوزراء، ويضايقه بصياحه: «لبلبي! لبلبي! مالح وطيب لبلبي!».

بعث إليه من يطرده من الشارع. ولكن لم تمض غير دقائق قليلة حتى عاد الرجل واستأنف صياحه «لبلبي... لبلبي...». لم يجد رئيس الحكومة مخلصا منه غير أن ينادي على سكرتير مجلس الوزراء ويقول له: اعط هذا الرجل جواز سفر واحصل له على فيزا للسويد وخلصنا.

ما أن سمع بقية الوزراء بذلك حتى وقفوا وراحوا يدورون في الغرفة ويرددون: «لبلبي.. لبلبي.. لبلبي..».

الأردن هو المحطة الأولى للجوء أو الهجرة إلى أوروبا أو أي مكان في العالم. بيد أن أحد اللاجئين سرعان ما عاد إلى بغداد. سألوه لماذا عاد؟ قال: الأردن بلد عجيب. المدخل إليه مفرق وميناؤه عقبة وبحره ميت وعاصمته عمان. تحتاج إلى عمين اثنين ليدبرا لك أوراقك.

النجف هي العاصمة الفعلية للعراق اليوم. وتجارتها تعتمد على تصدير العمائم وتوريد الموتى. سقطت إحدى الطائرات العمودية على مقربة منها وصدر بلاغ رسمي يقول: هلك في الحادثة ثمانمائة شخص. استغرب القوم من البلاغ. كيف تحمل طائرة عمودية مثل هذا العدد من الناس؟ تبين في ما بعد أن الأمريكان أحصوا الموتى المدفونين في وادي السلام حيث سقطت الطائرة.