المفاوضات «غير المباشرة»: أهي شراء للوقت أم هروب من الواقع ؟!

TT

قد لا يكون هذا لا صحيحاً ولا دقيقاً فالبعض يتحدث عن ان الإشتراك في الهم الواحد هو الذي جمع بين الثلاثة الذين باغتوا العالم بمفاجأة ارتفاع الدخان الأبيض من تركيا في اليوم الذي ارتفع فيه من الدوحة بعد أربعة أيام قاسية وصعبة فرئيس الوزراء الإسرائيلي تحاصره فضائح الفساد بينما الانتخابات التي ستقرر مصيره السياسي باتت على الأبواب والرئيس بشار الأسد الذي بات شبه معزول عربياً اشتد عليه هاجس المحكمة الدولية المتعلقة باغتيال رفيق الحريري أما رئيس الوزراء طيب رجب أردوغان فهو بدوره بات يقف على خيط مشدود رفيع بانتظار ما يصدر عن المحكمة التي تنظر في رفع الغطاء عن حزبه الحاكم وسحب بساط الشرعية من تحت أقدامه.

وهناك من يقول ان هموم هؤلاء الثلاثة التقت عند نقطة واحدة ولذلك تحرك أردوغان على خط هذه الوساطة ليعطي لتركيا في عهده وعهد حزبه دوراً إقليمياً لم تلعبه من قبل بهذا الزخم وبهذه الجدية وتحرك أولميرت على خط إنعاش العملية السلمية على المسار السوري لإثبات للإسرائيليين أنه مناور بارع وسياسي مُحنك وكل هذا بينما لوَّح بشار الأسد بجزرة المرونة هذه للأميركيين قبل غيرهم وأكثر من غيرهم لإثبات استعداده لتقديم التنازلات المطلوبة من قبيل محاولة إبعاد أشباح المحكمة الدولية من طريقه وطريق نظامه.

وقيل هنا ان أولميرت لجأ الى هذه الحركة الاستعراضية على خط المسار السوري وأنه عاد للعبة سباق المسارات التي كانت لعبتها إسرائيل في بداية انطلاق عملية السلام في بدايات تسعينات القرن الماضي من أجل التملص من استحقاق المسار الفلسطيني الذي بات ضاغطاً في ظل التأكيدات الأميركية المتلاحقة بأن الدولة الفلسطينية ستقوم قبل نهاية هذا العام!! وأن العملية السلمية المتواصلة الآن بين الفلسطينيين والإسرائيليين سوف تنتهي الى المحطة المطلوبة في الفترة المتبقية من عهد الرئيس الأميركي جورج بوش.

ولعل ما يشير الى ان الأميركيين غير مرتاحين لإنعاش المسار السوري في هذا الوقت بالذات ان وزيرة الخارجية الأميركية أدلت بتصريحات فور الإعلان من قبل السوريين والإسرائيليين والأتراك عن المحادثات «غير المباشرة» حذرت فيها من أنه يجب ان ألاَّ يكون هذا الذي جرى على حساب استحقاقات المسار الفلسطيني الذي ترى أنه شهد تقدماً جوهرياً في الفترة الأخيرة!! وذلك رغم أنها في التصريحات ذاتها أبدت تأييداً فاتراً لهذه المحادثات التي قد تنتقل من «غير المباشرة» الى «المباشرة» في أقرب فرصة ممكنة.

وفي هذا المجال فإن محمود عباس (أبومازن) الذي نظراً لظروف القضية الفلسطينية وحالة الإنشطار والتمزق التي يعيشها الفلسطينيون مضطر الى ممارسة السياسة على طريقة التنقل وسط حقل من الألغام قد أطلق أمنيات، مشفوعة بتأوهات الخشية من لعبة سباق المسارات التي اعتاد الإسرائيليون على لعبها كلما اشتد عليهم ضغط الاستحقاق الفلسطيني، بأن يوفق الله الأشقاء السوريين في ان يستردوا حقوقهم ويستعيدوا كل أراضيهم التي أحتلت في يونيو (حزيران) عام 1967.

ومن جهته، ولمزيدٍ من التشاطر وإظهار أنه لاعب سياسي من طراز رفيع، قال أيهود أولميرت بأن التقدم على المسار السوري لن يكون على حساب المسار الفلسطيني وأن إسرائيل ستفاوض على المسارين في وقت واحد لكن هذا لم يقنع القوى الإسرائيلية المعارضة، حزب «الليكود» على وجه التحديد، التي رأت ان هدف رئيس الوزراء الإسرائيلي من هذا التحرك هو إبعاد الأنظار عن قضايا الفساد التي أخذت تلاحقه حتى في منامه والتي أوصلته الى مخافر الشرطة أكثر من مرة.

واللافت هنا ان وزير الخارجية السوري وليد المعلم كان قد تقصد التأكيد، بطريقة المتهم الذي يبادر الى الدفاع عن نفسه حتى قبل ان تصل إليه التهمة في أعقاب إعلان دمشق بحبور طافح عن الوساطة التركية «الشقيقة»، على ان تحريك مسار الجولان يجب ألا يؤثر لا على حق «الأشقاء» الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم المستقلة ولا على مواصلة العمل لفك الحصار عن غزة المحاصرة وهذا ذَكَّرَ الذين لم تصدأ ذاكرتهم والذين يحبون ان يتذكروا ولو من قبيل الحفاظ على الوقائع التاريخية ان سوريا هي صاحبة شعار: «كلٌّ يقلِّع شوكه بنفسه وكل شاة معلقة من عرقوبها» الذي كان أطلقه نائب الرئيس فاروق الشرع عندما كان وزيراً للخارجية في أكثر من اجتماع من الاجتماعات التي كان عقدها وزراء خارجية دول الطوق بالإضافة الى المملكة العربية السعودية في أوائل تسعينات القرن الماضي في بداية العملية السلمية التي أطلقها مؤتمر مدريد الشهير.

في كل الأحوال تجدر الإشارة الى ان الإعلان عن مفاوضات إسطنبول «غير المباشرة»، التي أكدت دمشق ان إسرائيل أبدت خلالها استعداداً للانسحاب من هضبة الجولان حتى حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967 كان قد سبقه تصعيد سوري في إطار ما يسمى حلف «فسطاط الممانعة والمقاومة» تمثل أولاً في «التسونامي» الغزي المعروف الذي استهدف الحدود المصرية لإحراج مصر وإرباكها ثم بانقلاب حزب الله الأخير الذي نفذه ضد شوارع بيروت الغربية ثم بإرسال وفد عسكري سوري الى موسكو بينما كانت هذه المفاوضات «غير المباشرة» مستمرة لعقد صفقة كبيرة لشراء أسلحة ومعدات متطورة من بينها عدداً من الغواصات البحرية ثم بعد ذلك إرسال وزير الدفاع السوري الى طهران في خطوة واضحة الأهداف والمرامي.

لقد جاء هذا كرد واضح على عرض العضلات الذي قامت به إسرائيل في بدايات تحرك الأتراك لبدء وساطتهم هذه والذي كانت ذروته أولاً مهاجمة ما أدعى الإسرائيليون أنه مجمعاً نووياً في منطقة دير الزور جرى إنشاءه هناك بمساعدة كورية الشمالية وثانياً باغتيال قائد حزب الله الفعلي عماد مغنية في قلب دمشق وفي منطقة أمنية مغلقة تسيطر عليها الأجهزة الأمنية السورية سيطرة كاملة.

والسؤال في ضوء هذا كله هو: هل تتحول هذه المفاوضات من «غير مباشرة» الى مباشرة وهل أنها ستنجح وتنسحب إسرائيل الى حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967..؟

قال أولميرت بعد الكشف عن مفاوضات اسطنبول «غير المباشرة» إن الأمور صعبة وأن النجاح يتطلب تنازلات قاسية وأن المفاوضات ستكون طويلة وغير سهلة، وكل ذلك بينما اشترطت إسرائيل على سوريا، حتى يمكن ان يكون هناك حل على مسار الجولان، ان تفك علاقاتها بإيران وأن تطرد «حماس» ومنظمات الرفض الفلسطينية الأخرى من دمشق وأن تتخلى عن دعمها لحزب الله، وهي شروط، وبخاصة المتعلق منها بطهران، أعلن السوريون أنهم يرفضونها وهذا كله يعني بينما ظروف رئيس الوزراء الإسرائيلي هي هذه الظروف أنه يجب عدم توقع نتائج فعلية لهذه المفاوضات التي هناك آراء وجيهة تقول إن هدفها سورياً وإسرائيلياً هو شراء الوقت وتجميد الأمور على ما هي عليه الى ما بعد الانتخابات الأميركية المقبلة.