الطريق المعقول إلى إيران

TT

سوف تؤدي السياسة الأميركية الحالية تجاه النظام في طهران إلى وجود إيران التي تملك السلاح النووي. فالسياسة التي تبدو ماهرة والتي تجمع بين «العصا والجزرة» والتي تتضمن إشارات المسؤولين الأميركيين المتكررة إلى أن الخيار العسكري «ما زال مطروحا» تزيد من رغبة إيران لامتلاك ترسانتها من الأسلحة النووية. يا للهول! إن مثل هذه السياسة؛ سياسة «العصا والجزرة» يمكن أن تنجح مع القرود وليس مع الدول الجادة. فقد كان من الممكن للولايات المتحدة أن تحقق نجاحا أكبر إذا تخلى البيت الأبيض عن التهديد بالخيار العسكري والدعوة إلى تغيير النظام في إيران.

فإذا نظرنا إلى بلاد مثل البرازيل والأرجنتين وجنوب أفريقيا، فإننا نرى أن هذه الدول كانت تمتلك برامج أسلحة نووية لكنها تخلت عنها لأسباب مختلفة. وقد كان من الممكن أن تتحول هذه الدول إلى قوى نووية إذا تمت معاملتها بالطريقة التي تعامل بها إيران. وإذا كانت الولايات المتحدة قد هددت بتغيير أنظمة أي من هذه الدول، فإنها لم تكن لتذعن للتهديدات الأميركية. ولكن عندما لم تفلح سياسة «العصا والجزرة» في منع الهند وباكستان من الحصول على الأسلحة النووية، تحولت الولايات المتحدة بسرعة إلى تقبل الأمر وإقامة علاقات جيدة مع كل منهما. فما الذي يعنيه ذلك بالنسبة للقادة في إيران؟

وإذا نظرنا إلى الموضوع من زاوية أخرى، فيمكن أن نتخيل أن الصين قد هددت بتغيير النظام الأميركي، إذا لم تبدأ في التخلص من ترسانة أسلحتها النووية. فمثل هذا التهديد لن يكون له أساس قانوني، كما أن الرأي العام الأميركي سوف يثور ويرفض مثل هذا الطلب. إن التوجه الصحيح في التعامل مع إيران يكون بمراعاة مصالح أمنها ومصالحنا كذلك. فالضربة الجوية الأميركية أو الهجوم الإسرائيلي على منشآت إيران النووية لن يفعل أكثر من مجرد تأخير البرنامج النووي الإيراني. وفي كلا الحالتين، فإن الولايات المتحدة سوف تكون مسؤولة وسوف تضطر إلى دفع ثمن رد الفعل الإيراني المحتمل. وقد يشمل ذلك تعريض الشرق الأوسط لعدم الاستقرار بالإضافة إلى تدهور الوضع في أفغانستان ومواصلة الارتفاع الجنوني في أسعار البترول. إن مشكلة الشرق الأوسط التي ستنجم عن الهجوم الوقائي على إيران سوف تلحق الضرر بأميركا وإسرائيل أيضا. ومن شأن إعطاء إيران فرصة تحقيق أهدافها المعلنة ـ المتمثلة في قدرات الطاقة النووية وليس الأسلحة النووية، بالإضافة إلى رغبتها في مناقشة المشكلات الأمنية بين الولايات المتحدة وإسرائيل ـ تحقيق سياسة واقعية يمكن أن تذعن لها إيران. ومن الممكن للولايات المتحدة أن تشير إلى أنها مستعدة للمفاوضات سواء على أساس عدم وضع شروط مسبقة من الطرفين (مع الاحتفاظ بحق إنهاء المفاوضات إذا استمرت إيران في عدم الالتزام بوقف تخصيب اليورانيوم فوق المعدلات المسموح بها) أو على أساس استعداد إيران لوقف تخصيب اليورانيوم في مقابل رفع الولايات المتحدة للعقوبات المالية والاقتصادية عليها. ومثل هذا التوجه المرن سوف يزيد من احتمالات تلبية المجتمع الدولي لرغبات إيران في الحصول على الطاقة النووية السلمية مع تقليل احتمالية تحويل هذه الطاقة إلى برنامج للأسلحة النووية.

وبالإضافة إلى ذلك، فليس هناك سبب معقول لافتراض أن السياسة التقليدية للردع الاستراتيجي ـ التي نجحت في علاقات الولايات المتحدة بالاتحاد السوفيتي والصين وفي استقرار العلاقات مع الهند وباكستان ـ لن تنجح مع إيران.

ومن شأن هذه الاستراتيجية طويلة الأجل أن تعود بإيران إلى ممارسة دورها في التعاون الاستراتيجي مع الولايات المتحدة في سبيل استقرار منطقة الخليج. بل يمكن أن تعود إيران إلى ما قبل عام 1979 من التعاون مع إسرائيل ذاتها. وتجدر هنا الإشارة بمعاداة إيران للقاعدة والتي زاد من حدتها هجوم القاعدة على إيران من خلال الإنترنت.

وأخيرا وليس آخرا، فإن علينا أن نفكر في أن العقوبات الأميركية على إيران تعوق جهود إيران في زيادة إنتاجها من البترول والغاز. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع أسعار الطاقة. فمن شأن عودة العلاقات إلى دفئها بين الولايات المتحدة وإيران أن تعمل على تدفق الطاقة الإيرانية إلى العالم. ولا شك أن الأميركيين سوف يفضلون دفع القليل لملء خزانات وقود سياراتهم على دفع الكثير لتمويل صراع أكبر في الخليج العربي.

* بريجينسكي مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، وأودوم جنرال في الجيش الأميركي متقاعد ومدير سابق لوكالة الأمن القومي.