حتى لا يكون «إعلان» الدوحة قرص أسبرين

TT

يمكن القول إن رأس المال السياسي الذي غنم به الفرقاء السياسيين وتم تدوينه في ما سمي بإعلان الدوحة يمثل رأسمال يتيح للطرفين الاستثمار في مشروع تركيز الدولة اللبنانية تعزيز مستوى أدنى من السلم السياسي المطلوب لإدارة الدولة اللبنانية وإشباع توقعات الشعب اللبناني.

كما أن التوقف قليلا عند دلالات التوصل إلى اتفاق بعد أن عشنا حالات من المدّ والجزر. ذلك أنه وإن عبرت عدة أطراف عن خطورة ما حدث في بيروت ورمزيته بالإضافة إلى إطلالة الأزمة اللبنانية التي بلغت عاما ونصف العام على أكثر السيناريوهات خطورة على لبنان والمنطقة ككل، فإن الوصول إلى اتفاق والقبول بالمصالحة والحوار وببذل كل طرف بعض التضحيات، كل هذا يؤكد مدى عمق الأزمة التي كانت تعصف بلبنان مما جعل العنف يكشر عن أنيابه.

فالطرفان من خلال اتفاقهما على القانون الانتخابي وعلى تمتع المعارضة بحق النقض وإلتزامها بعد اللجوء إلى استخدام القوة لحل النزاعات السياسية، قد برهانا على نضج سياسي ومسؤولية وطنية خصوصا أن بنود الاتفاق أقل من سقف مطالب المعارضة ومواقف الموالاة وهي مطالب ومواقف كانت سببا في اشتعال فتيل الأزمة وفي إطالتة أمدها. ولعل تخفيف الفرقاء السياسيين في لبنان من سقف محاذيرهم وشروطهم للحوار والتعايش السياسي، يدل إلى أي حد قد عاين الطرفان سوداوية المأزق وكيف أنهما على شفا حفرة من حرب أهلية لا سيما بعد أن بدأ يعود الخطاب الطائفي ويفرض نظرته الضيقة والعنيفة.

وإذا كان مجرد حصول الاتفاق يعد في حد ذاته مسألة جد صعبة، فإن الأصعب اليوم هو تمسك الموالاة والمعارضة بنفس النضج وروح المسؤولية لأن ما يجعل القلق حول لبنان قائم الذات هو اختلاف المشروعين السياسيين للموالاة والمعارضة خصوصا حزب الله. ذلك أن الإشكال يكمن في مدارات الإختلاف وتحديدا رؤية كل طرف لمفهوم الدولة ولمساحة سلطتها دون أن ننسى الاختلاف الجوهري حول مسألة السلاح وعلاقات لبنان بدول الجوار.

إن بيت القصيد أن فرص الخلاف ما زالت أسبابها موجودة ولا يمكن لعاقل سياسي أن يتوقع تلاشيه. فالخلاف هو بين مشروعين سياسيين مختلفين في الرؤية والخلفية والمصالح.

ونعتقد أنه كي لا يكون إعلان الدوحة مجرد قرص أسبرين، من المهم أن يثبت الطرفان أن تحليهما بالنضج السياسي لم يكن من قبيل الصدفة بقدر ما كان درسا تم استخلاصه من حالة الدوامة الخطيرة التي كان لبنان يسرع الخطى نحوها. بل أن المطلوب حاليا مراجعة كافة تفاصيل الأزمة ومواجهة ما أظهرته من آمارات الشقاق الدفينة والتي لا تحتاج إلى من عود كبريت حتى تعلن عن نفسها.

وفي هذا السياق لا بد من ان يعيد حزب الله الكثير من حساباته وأن يقتنع ببعض المستجدات الخاصة به والتي على رأسها اهتزاز صورته مما يجعله مطالبا أكثر من أي طرف آخر بإعادة الطمأنينة للبنانيين وهو ما يعني أنه لا مفر من مراجعة أدائه السياسي والإعلامي وأن يتعامل مع جماعة 14 آذار باعتبارهم أقرب إليه من أي طرف خارجي إذ معهم سيصنع الحياة في لبنان.

[email protected]